قوة الدرهم

ت + ت - الحجم الطبيعي

رغم التفاؤل الذي يسود العالم بشأن انتعاش الاقتصاد انطلاقاً من العام الجاري بعد سنوات من الانكماش والتباطؤ ثم النمو الخجول، تتصاعد المخاوف تجاه الآثار السلبية لـ«قوة الدولار» وإمكانية نشوب حروب عملات جديدة بين القوى الاقتصادية الكبرى.

ولا شك أن قوة الدولار، وهو المصطلح الذي ظهر أخيراً بعد الانهيارات المتوالية لعملات رئيسية مقابل الأخضر الأميركي، نابعة من انتعاش اقتصادي قياسي، إذ تعمل محركات الاقتصاد في الولايات المتحدة حالياً بكامل طاقتها، ما يرجح استمرار موجة قوة الدولار ومعه العملات المرتبطة به ومن بينها الدرهم الإماراتي لسنوات، خصوصاً مع توجه بنك الاحتياط الفيدرالي إلى زيادة أسعار الفائدة، 3 مرات خلال العام الجاري، كما أعلن سابقاً.

وهنا ربما تثار الأسئلة مجدداً حول أيهما أكثر نفعاً للاقتصاد الوطني؛ الدرهم القوي أم الدرهم الضعيف؟

قبل سنوات وعلى هامش الأزمة المالية العالمية، التي دفع جزءاً من ثمنها الدولار، ارتفعت أصوات منادية بضرورة فك ارتباط الدرهم بالدولار والبحث عن بدائل كان أكثرها منطقية حينها سلة عملات، ولكن أصحاب القرار أكدوا حينها أن هذا الارتباط استراتيجي ولا يخضع لظروف مؤقتة، والآن ثبت بالدليل القاطع صحة هذه الرؤية.

ومع قوة الدولار التي أدت لصعوده بقوة تجاه أغلب العملات العالمية، يحدث الأمر نفسه بالنسبة إلى الدرهم الذي حقق بدوره مكاسب قياسية تجاه العملات نفسها. ولقوة الدرهم مزايا عدة، ولكن لها آثار سلبية يجب الانتباه لها حفاظاً على تنافسية الاقتصاد الوطني وخصوصاً القطاعات المهمة مثل السياحة والعقار والتجارة.

وكمؤشر على إمكانية الاستفادة من قوة الدرهم، فإن الملاحظ منذ مطلع العام الجاري استمرار تدفق الاستثمار الأجنبي على أسواق المال المحلية، وهو ما انعكس في ارتفاع قيم التداولات لمستويات جيدة تلامس 1.5 مليار درهم يومياً، وتسعى هذه الأموال إلى تحقيق استفادة مزدوجة من الصعود المتوقع للأسهم المحلية في ظل تحسن أداء الشركات، وبالإضافة إلى المكاسب التي يواصل الدرهم تحقيقها مقابل عدد من العملات الرئيسية حول العالم.

ويبقى من المهم معالجة الآثار السلبية لقوة الدرهم على قطاعات السياحة والعقار، فلا شك أن كلفة الرحلات السياحية إلى الدولة ارتفعت بالنسبة للسياح من غير دول المتعاملة بالدولار الأميركي أو العملات المرتبطة به، وهي أسواق مهمة جداً مثل الصين وروسيا وأوروبا، وهو ما يتطلب اتخاذ إجراءات للحفاظ على تنافسية وجاذبية المنتج السياحي الوطني عبر خفض النفقات التشغيلية غير الضرورية وعدم المغالاة في هوامش الربح، والأمر نفسه ينطبق على قطاعي العقار والتجارة.

إن حصيلة قوة الدرهم ربما تكون مفيدة للغاية لاقتصادنا الوطني إذا اتخذنا الإجراءات اللازمة للحفاظ على تنافسيته والتعامل بالمزيد من المنطقية والعقلانية مع مستجدات الظروف العالمية.

Email