الصين والتغير المناخي

ت + ت - الحجم الطبيعي

يحدد تقرير الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ الصادر في أكتوبر 2018 حجم التحدي الذي تواجهه الحضارة البشرية فيما يتعلق بتغير المناخ. لكن المشكلة الكبرى ما زالت تتمثل في وتيرة الكارثة التي تهيمن علينا. فالناس ماهرون للغاية في الاستجابة للتهديد الوشيك، غير أنهم الأكثر عجزاً في اتخاذ خطوات للتخفيف من الكوارث.

عندما يحترق أحد المباني يمكننا أن نرى النيران ونشتم الدخان، فنتخذ الإجراء اللازم، ولكن إذا سمعنا فقط إنذارًا بالحريق، فإننا نميل إلى محاولة إقناع أنفسنا بأن الأمور ليست بهذا السوء.

لسوء الحظ، بينما يحترق كوكبنا العالمي بشدة وبصورة حقيقية، فإنه الكارثة تتقدم ببطء لأن الكثير منا سوف يتهرب من معظم الآثار السلبية لأنه سيصل إلى سن الشيخوخة ويموت قبل أن تسوء الأمور، ولكن هذا لا ينطبق على أولادنا أو أحفادنا. وقد تم مؤخراً منح جائزة نوبل في الاقتصاد للعمل المنجز الذي أظهر أن الطريقة الأكثر فعالية للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري تتمثل في فرض الضرائب عليها. ولكن الضرائب العالية في هذه المرحلة ستكون لها آثار اقتصادية سلبية على المدى القريب، وستستغرق بعض الوقت لإحداث تغيير حقيقي

إن أحد التحليلات المفيدة المحتملة فيما يتعلق بمشكلة تغير المناخ هي الإجابة على السؤال عما إذا كان لا يزال هناك أي شيء يمكننا القيام به لإحداث فرق. ومما لا شك فيه أن الإجابة هي نعم. دعونا نتفحص ما يمكن أن يحدث إذا اختارت الولايات المتحدة والصين استبدال الفحم، والفحم فقط، في شبكاتهما الكهربائية بالطاقة النووية.

ووفقاً لوكالة الطاقة الدولية، تم إنتاج 32 مليار طن متري من ثاني أكسيد الكربون بواسطة النشاط البشري في عام 2016. وقد ولدت الصين والولايات المتحدة، وهما الدولتان اللتان تصدران أكبر كميات من ثاني أكسيد الكربون، 3.9 ملايين مليار واط ساعة و1.3 مليون مليار واط في الساعة من الطاقة الكهربائية، على التوالي، عن طريق حرق الفحم. وإذا افترضنا مستوى معقولاً من الكفاءة لمحطة طاقة حديثة تعمل بالفحم (40٪ على سبيل المثال)، وأننا نستخدم فحمًا جيدًا، فإن الطاقة الكهربائية الأمريكية والصينية التي تعمل بالفحم تحتاج إلى حرق 1.562 مليون طن من الفحم أو إطلاق 1.172 مليون طن من الكربون، وهو ما يضاهي إطلاق 5.7 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون.

سيؤدي التوقف عن حرق الفحم لغرض توليد الكهرباء في الصين والولايات المتحدة إلى خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن الأنشطة البشرية بنسبة 18٪ سنوياً، وهي نسبة كبيرة بشكل مذهل مقارنةً بدعوة الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ لإبقاء انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من صنع الإنسان أقل من 420 مليار طن في العقد المقبل، وهذا الحد فقط يكفي لتجنب الآثار الأكثر كارثية.

ويسهل هذا التغيير التخفيضات المستمرة في الانبعاثات. لقد قامت السلطات الصينية بعمل مثير للإعجاب في الحد من الجسيمات وبعض الانبعاثات الأخرى من مراكز المدن من الدرجة الأولى، ولكن مع وجود شبكة كهربائية أنظف لم تعد تعتمد على الفحم، فإن الانتقال إلى بيع واستخدام مركبات الطاقة الجديدة سيكون أكثر فائدة لاحقاً. فلم يعد سائق السيارة الكهربائية ببساطة يستبدل الانبعاثات الناجمة عن القيادة إلى الانبعاثات التي يتم تصنيعها أثناء الشحن.

ويمكن للصين إزالة معظم انبعاثات الوقود الأحفوري من مراكزها الحضرية، وفي نهاية المطاف، في كل الأماكن. ومن المأمول أن يتم تشجيع الحكومات الأخرى على العمل، كذلك، مع قدرة الصين الآن على تصدير حلولها المثبتة لهذه المشكلات على امتداد العالم. والآن، هل هذا الإجراء الحكومي متوقع؟ في الصين، سيتطلب مثل هذا النهج نزعات الدولة وإنفاقها، مع توفير عدد كبير من الوظائف المعمارية. سيكون هناك حاجة كبيرة لمواد البناء، ومعظمها سيتم إنتاجه داخل الصين مما يؤدي إلى مزيد من النشاط الاقتصادي وإيجاد فرص العمل.

ونأمل أن يتم نقل عمال مناجم الفحم إلى وظائف الإعمار، لتقليل الضغط الاقتصادي على مناطق داخل الصين تعتمد على الفحم في كسب الرزق الاقتصادي. لكن كل هذا يتفق تماماً مع الرغبة الواضحة للقيادة الصينية في تحسين الجودة البيئية، وعلى وجه الخصوص، ضمان عدم تأثر إنتاج الغذاء في المستقبل في الصين وبقية دول العالم بشكل سلبي من تغير المناخ.

* باحث صيني

Email