القطاع الخيري فى خطر

ت + ت - الحجم الطبيعي

شاهد العالم الفصل قبل الأخير من مسلسل الفضائح، وهو الخاص بالمنظمات الخيرية. لا تبدو نهاية هذا المسلسل قريبة وهو أمر يبعث على القلق.


كشف النقاب عن قيام بعض موظفي منظمة أوكسفام الخيرية البريطانية بارتكاب سلوكيات مشينة مع قاصرات من هايتي بعد الزلزال الذي ضرب البلاد هناك. واتهمت المنظمة بالتستر على هذه الحادثة التي وقعت عام 2011 على الرغم من إقالة واستقالة عدد من الموظفين المتورطين في تلك الأعمال المشينة. تكررت فصول هذا المسلسل في ميادين السياسة والفن قبل ذلك.

ففي ميدان الفن مثلاً قدمت عشرات النساء شكاوى ضد المنتج الأميركي الشهير هارفي وينستين بسبب التحرش والاعتداء. وفي مجال السياسة هناك الكثير من الأمثلة على تلك المشكلة التي عانت منها بعض النساء من بعض الرجال بسبب نفوذهم وسلطاتهم، وهو ما يعد إساءة استخدام للمنصب.

على سبيل المثال استقال وزير الدفاع البريطاني السير مايكل فالون بسبب تحرشه بصحافية. يضاف إلى ذلك قالت عشرات من موظفات الأمم المتحدة إنهن تعرضن للتحرش أو الاعتداء أثناء عملهن بالمنظمة. وقالت بعض الموظفات إنهن أجبرن على ترك وظائفهن أو هددن بإنهاء عقودهن في حين ظل الجناة المزعومون في مناصبهم.

إن هذا المسلسل المؤلم والسخيف قد يضع العمل الخيري في خطر. على سبيل المثال ألغى أكثر من سبعة آلاف فرد التبرعات المنتظمة لأوكسفام وفقاً للمدير التنفيذي للمنظمة مارك جولدرينغ، وتمثل 2% من جملة التبرعات الخاصة والتي بلغت العام الماضي 108 ملايين جنيه استرليني. إن أوكسفام هي أكبر رابع منظمة خيرية في بريطانيا.

وقد علقت المنظمة طلب الدعم من الحكومة البريطانية التي بلغت العام الماضي 32 مليون جنيه استرليني، بعد أن أخبرتهم وزيرة التنمية الدولية البريطانية بيني موردانت بضرورة تحسين معايير ضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث في المستقبل. هناك ضغوط متزايدة من الصحافة البريطانية على أوكسفام وغيرها.

وقد فتحت النار على القطاع الخيري ككل. فقد غطت الصحافة البريطانية فضيحة متعلقة بالمدير التنفيذي السابق لمنظمة أنقذوا الأطفال والذي استقال بسببها، ولكنه تولى منصب نائب المدير التنفيذي لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف). وتركز الصحف البريطانية على ملف الجمعيات الخيرية ولكن بصورة مبالغ فيها تضر أكثر مما تنفع.

أتفق تماماً أن هناك حاجة لوقفة جادة مع المنظمات الخيرية ومنع تكرار التحرش والاعتداء في المستقبل. لكنني في نفس الوقت أرى أن الخاسر الأكبر من تلك الحملة الإعلامية الشرسة على أوكسفام وغيرها هم الفقراء في البلدان الفقيرة التي تحتاج لأموال ومشروعات تلك المؤسسات.

إن الذنب الذي اقترفه بعض الأشخاص في تلك المنظمات يجب التوقف عنده وتقديم المسؤولين عنه للمحاسبة، ولكن لا يعني ذلك تدمير هذا القطاع المهم الذي ساعد الملايين من الأطفال والنساء في هايتي وغيرها. إن عقاب هؤلاء الأشخاص هو أمر ملح وضروري، ولكن لا يجب عقاب القطاع الخيري ككل.

أتفق مع وزيرة التنمية الدولية البريطانية عندما طالبت الأمم المتحدة أن توقف كل الإساءات التي يقوم بها موظفوها وقوات حفظ السلام، وإلا لن تقدم بريطانيا أموالاً لعمل تلك المؤسسات التابعة للمنظمة الدولية.

يجب وضع معايير صارمة وشفافة لمنع تكرار تلك الأفعال غير الإنسانية، ولكن يجب التوقف عن تشويه تلك المنظمات التي تقوم بعمل جدير بالتقدير والدعم. إن خسارة أوكسفام تبرعات 7000 بريطاني خلال أيام هو نتيجة الإعلام الذي رسم صورة قاتمة عن تلك المنظمة. هناك حاجة ملحة وسريعة من قبل الحكومة البريطانية والمنظمات الخيرية المعنية وبعض وسائل الإعلام الموضوعية لوضع الأمور في نصابها الصحيح.

يجب أن تسلط تلك الأطراف مجتمعة الضوء على الجوانب المضيئة الكثيرة في هذا القطاع الخيري المهم. إن تسليط الضوء على المشروعات التي تقوم بها تلك المنظمات في اليمن والسودان وسوريا والعراق وغيرها من البلدان التي تعاني من أزمات إنسانية طاحنة يمكن أن يصحح الصورة ويحتوي الخسائر التي تكبدها هذا القطاع المهم.

أنا لا أدافع عن تلك المنظمات في حد ذاتها ولكن لخشيتي من تأثير ذلك السلبي في الخدمات التي تقدمها تلك المنظمات للملايين عبر العالم. لا يجب التغاضي عن حوادث التحرش والاعتداء تحت أي ظرف من الظروف، وفي نفس الوقت الحفاظ على هذا القطاع الذي يقوم بالكثير والكثير للمحتاجين.

ـــ  كاتب مصري

Email