القواديس وأرمنت.. يد تحمل السلاح ويد تبني

ت + ت - الحجم الطبيعي

تابعت خلال الأسبوع الماضي، حدثين مهمين، جسدا أمامي حقيقة أن مواجهة الإرهاب لم ولن تثني الدولة والقوات المسلحة عن البناء والتطوير، فبينما كان الإرهابيون يسعون للقتل في الشيخ زويد والعريش بشمال سيناء، كان هناك آخرون في أرمنت بجنوب الصعيد، يواصلون العمل في مستشفى A أرمنت الجديد، لتقديم خدمة طبية لعموم أهالي الصعيد، بدت لي وكأنها خدمة تقدم في أرقي المستشفيات داخل مصر أو خارجها.

وكما أن البعض يتعمد، سواء بسوء نية أو لغياب المعلومات والمعرفة الحقيقية، الإساءة لليد التي تحمل السلاح، فإن كثيرين أيضاً يحاولون الإساءة لليد التي تبني، ويشككون في قدرتها على البناء واستكمال المسيرة.

مرة أخرى، وفي شهر النصر العظيم لمصر والقوات المسلحة، يستهدف الإرهابيون كمين كرم القواديس.

المرة الأولى كانت قبل ثلاث سنوات، وتحديداً في الرابع والعشرين من أكتوبر 2014، وكان من كبرى الهجمات الإرهابية التي استهدفت الجيش بصفة عامة، حيث تم استخدام شاحنة مفخخة، ونتج عنه استشهاد 23 بطلاً من القوات المسلحة.

لم تنقطع محاولات الإرهابيين للنيل من الكمين عبر ثلاث سنوات، ولكنها كانت محاولات يائسة.

الهجوم الأخير الذي وقع في 15 أكتوبر الحالي، والذي تصدت له ببسالة قوة الكمين، ورغم أنه أسفر عن استشهاد 6 من أبطال القوات المسلحة، فإن خسائر الإرهابيين في ذلك الهجوم، وصلت إلى 24 إرهابياً على الأقل، وتدمير كامل للأسلحة والسيارات التي استخدمها الإرهابيون. الرسائل التي يحملها هجوم كرم القواديس كثيرة، أشير فقط منها أولاً إلى الرسالة التي تتأكد كل يوم، ويعلمها القاصي والداني، إلا الإرهابيين ومن يدعمهم، وهي أن القوات المسلحة المصرية لا يمكن أن تلين إرادتها نتيجة تلك الهجمات الإرهابية، ولا يمكن أن تتخلى عن مسؤوليتها في حماية أمن الوطن والمواطنين، نتيجة تلك الهجمات.

فاستهداف كرم القواديس لم يمنع أفراد القوات المسلحة من الوجود في الكمين عبر السنوات الثلاث الماضية، ولم يدفع القوات المسلحة لتغيير موقعه، كونه يمثل نقطة مهمة للغاية لضبط الحركة في ما بين رفح والعريش.

وثانياً، أن فشل الاستهداف لا يعبر فقط عن جاهزية وبسالة قوة الكمين، ولكنه يؤكد الجاهزية العالية التي تتمتع بها القوات المسلحة، والسرعة الفائقة في التعامل مع مثل تلك الهجمات.

ومما لا شك فيه، فإن الإرهابيين استهدفوا إحراج الجيش المصري، متوهمين أن بإمكانهم تكرار ما حدث في أكتوبر 2014، وتأكيد أنه ما زالت لديهم القدرة على استهداف الجيش، بينما هو والمصريون يحتفلون بانتصارات أكتوبر، وعلى أن العمليات الناجحة التي ينفذها الجيش لتطهير المنطقة المتبقية من سيناء المتمثلة في العريش ورفح والشيخ زويد، لم تؤثر في قدراتهم. الأمر الآخر الذي لا بد من الانتباه إليه، هو أن ما تبقى من الجماعات الإرهابية لا يعنيه الآن سوى أن يعلن أنه قام بهجوم ضد القوات المسلحة، بصرف النظر عن نجاحه من عدمه، فالهدف الآن، هو تأمين الحصول على الدعم المالي الذي يتطلب استمراره في القيام بمثل تلك العمليات الجبانة.

الخناق يضيق على الإرهاب، ليس فقط من قبل القوات المسلحة، ولكن من قبل الإعلام أيضاً، فتعامل الإعلام مع الهجمات الإرهابية بات أكثر التزاماً ورشداً ومراعاة لاعتبارات الأمن القومي.

كما أن ما قام به الإرهابيون بعد يومين من هجوم كرم القواديس، بالاعتداء على بعض الارتكازات الأمنية، ومهاجمة البنك الأهلي بالعريش، دليل دامغ على الأزمة التي يمرون بها، نتيجة فشل هجومهم الأخير، إنها باختصار رقصة الموت الأخيرة.

في أقصى صعيد مصر، ورغم كل ما يقال عن إهمال الصعيد، زرت مستشفى أرمنت الجديد بعد غياب عن متابعة ما يجري في أرمنت، رغم أنها مسقط رأسي، وتجربتي، كما الكثيرين من أهالي الصعيد مع المستشفيات الحكومية، كانت تحول بيني وبين الثقة في قدرات تلك المستشفيات وأهليتها للتعامل مع المرضى، خاصة في الحالات المرضية الحرجة.

كان ذلك هو الانطباع الذي قضى عليه تعاملي الأسبوع الماضي مع مستشفى أرمنت التابع للأمانة العامة للمراكز الطبية المتخصصة.

فمنذ اللحظة الأولى لدخول المستشفى، أدهشتني حالته الممتازة من ناحية الإنشاءات والإمكانات والنظافة، والأهم الطاقم الطبي الموجود به، وطريقة تعامل العاملين بالمستشفى مع المرضي.

ذلك أن المستشفى يوجد به من الأجهزة الطبية الحديثة، ما لا يتوافر لمستشفيات كثيرة في القاهرة عامة وخاصة.

وهنا، تساءلت كيف لمستشفى عام أن يكون على ذلك النحو الذي يشعرك، كما قال وزير الصحة الدكتور أحمد عماد، أنك في صرح عالمي يليق بمستوى المرضى الذين طالما عانوا خلال الفترة الماضية؟، وجاءت الإجابة أن ذلك يعود إلى جهود القوات المسلحة التي أنشأت المستشفى في وقت قياسي، بتصميم معماري جديد تماماً عما هو معمول به في مستشفيات مصر، وتكلف إنشاؤه وتجهيزه بذلك المستوى، نحو نصف مليار جنيه.

وإذا كنت قد أكدت أن التعامل الإعلامي مع العملية الإرهابية في كرم القواديس، أصبح أكثر رشداً والتزاماً، فلا أجد حرجاً في الاعتراف بأن الأداء الإعلامي في ما يتعلق بما يحدث في أرمنت، وفي مجال ما يتم إنجازه على الأرض، ما زال متراجعاً، وإلا لم كانت الدهشة التي أصابتني وتصيب كل من يرى على أرض الواقع ما تم تحقيقه، ولا يجد صداه الحقيقي في وسائل الإعلام.

تحية للأيادي القابضة على السلاح، وعلى أدوات البناء والتنمية.

Email