الشرق الأوسط بين أميركا وروسيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا نعلم الكثير بشأن ما قيل في اللقاء الأخير الذي جمع بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة مجموعة ال 20 التي انعقدت في يوليو الحالي، لكننا نجزم بأن قضية الشرق الأوسط احتلّت حيزاً كبيراً من حديث القائدين. وقد جاء على لسان ترامب نفسه أنه قال لبوتين:«هناك الكثير من أعمال القتل في سوريا. لا بدّ لنا من حلّ مسألة سوريا»

من الأسهل فهم الاستراتيجية الروسية من خلال مقارنتها بتلك الصينية، علماً أن الصين لديها مسار أكثر خطورةً في المنطقة نظراً لاعتمادها على الشرق الأوسط بأكثر من 60% من طاقتها المستوردة. كما أن لها حضوراً اقتصادياً متوسعاً، يترافق مع ارتفاع حجم التجارة والاستثمار، وحصول المستثمرين الصينيين على حصص بمليارات الدولارات من مشاريع البنى التحتية في المنطقة.

بالمقابل، يتركز الحضور الروسي في الشرق الأوسط على الميدان الأمني، حيث تبيع روسيا أسلحةً بمليارات الدولارات، ولا تسجل أي نشاط يذكر في قطاعات التجارة أو الاستثمار خارج النطاق العسكري.

وقد اختارت أن تشكل الملاذ البديل كمزود للسلاح، فتعقد صفقات بيع مع دول كالجزائر حين ترفض أميركا القيام بذلك، وخلافاً للصين، التي تسعى جهاراً للعمل إلى جانب أميركا، تبدو مساعي روسيا في المنطقة مصممة بشكل أدق لإقامة توازن مضاد للمصالح الأمنية الأميركية.

ولا يعني ذلك القول بأن تصرفات روسيا في الشرق الأوسط تتقصد معارضة أميركا وحسب، فلروسيا أحكامها الخاصة بشأن تهديدات المجموعات الإرهابية، ومنطقها المتعلق بتعزيز الأنظمة الأوتوقراطية.

تأتي محاولات روسيا لتعزيز تأثيرها الشرق أوسطي بعد فترة من تميّز الدور الأميركي في المنطقة. فعلى امتداد مرحلة الحرب الباردة كان للاتحاد السوفييتي علاقات منتشرة موزعة على مصر وسوريا وجنوب اليمن. إلا أن روسيا بالكاد تمكنت بعد انهيار الاتحاد عام 1991 من لملمة ما فقدته.

واتسمت الاستراتيجية الأميركية لعقود، بخلق مجتمعات مختلفة في الشرق الأوسط، بغية بلورة مجتمعات قوية بما يكفي لرفض الشيوعية. وتتجلى الاستراتيجية الروسية على أفضل توصيف ممكن على أنها تشتمل على ثلاثة مكونات رئيسية، ينطوي أولها على مواجهة الحكومات الشرق أوسطية حيث تسود الميول الموالية للغرب، ويتم ذلك بجانب منه عن طريق تقويض صورة الغرب وتشويه نواياه، ويتمحور بجانب آخر حول إثارة الاضطرابات ضمن التحالفات الموالية للغرب.

ويتمثل المكون الثاني بضمان ألا تشكل الثورات الشرق أوسطية مصدر إلهام لمحاولات يحاكيها مواطنو روسيا أو الدول الحليفة، ذلك أن الحركات الشعبية الناجحة تهدد الاستقرار الروسي.

ولا بدّ ثالثاً، من العمل بجهد لتحديد مفهوم الأمن بنطاقه الضيق، ووصفه على أنه معركة بين الحكومات والإرهابيين. ويبدو المسعى الروسي موجهاً ضد المساعي الغربية الرامية لتنسيق التعاون لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

وقد أخذت روسيا على عاتقها مسألة بناء العلاقات الثنائية المتينة مع المؤسسات الأمنية الحكومية في المنطقة، وأبدت حماستها بالتشبث بالحكومة السورية من خلال اللجوء إلى عدد من الممارسات الوحشية.

خلافاً لروسيا، تلعب أميركا وحلفاؤها سعياً للفوز في الشرق الأوسط، وسعياً لتعزيز الأنظمة السياسية والاقتصادية التي تعزز الاستقرار. ولا يمكن لروسيا أن تفوز على الولايات المتحدة التي تفوقها تسلحاً وعديداً وخططاً، إلا أنه يمكن لروسيا لعب دور المخرب الساعي لخلق محاور نفوذ، واستخدام قوتها المحدودة للتصدي لمخططات الآخرين.

ويظهر على مستوى الأهداف التكتيكية الخالصة، قدر هائل من التداخل بين الأهداف الأميركية والروسية في المنطقة. إلا أنه على المستوى الاستراتيجي، يظهر التباين واضحاً. علماً أن الفروقات الأميركية الروسية في الشرق الأوسط ليست مسألة تفخيم بل ذات طابع جوهري، ولا توجد مؤشرات تدلّ على تبدل المشهد.

Email