الدراما والمعجزة الإماراتية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لكل عصر من العصور أدواته لتوثيق تاريخه، ففي العصور المبكرة من الحضارة الإنسانية، لما عرف الإنسان الكتابة، كانت المعابد هي القبلة الأنسب لتسجيل تاريخهم بما لها من أهمية فضلاً عن كثرة روادها والمترددين عليها، ومن خلالها استطعنا أن نعرف أحداث ووقائع لم نكن نعرفها من قبل إلا حين استطاع المؤرخون وعلماء الآثار أن يفككوا معانيها، وكان البقاء لسيرة الحضارة ووقائعها إلى يومنا هذا، وتعددت الوسائل بتغير حياة الناس، فكانت المشافهة والتناقل عبر الحكايات فضلاً عن الراوي الذي كان يقص ما يريد حفظه عبر الكلام المنظوم أو الشعر الذي خلد مواقف وقصصاً من التاريخ تناقلها الخلف عن السلف، الشاهد أن وسائل كتابة التاريخ تختلف في دنيا الناس وتتبدل من جيل إلى جيل.

ولا شك أن الدراما في عصرنا الحالي باتت من أهم وسائل توثيق التاريخ، وأصبحت الدراما ذاكرة مرئية للشعوب التي تحفظ سيرتهم، لا سيما أن تسجيل سير الرجال ومسيرة الأمم وجلائل الأعمال أمر حتمي، آية ذلك أنك إذا أردت أن تعرف تاريخ الهند تتجه إلى مشاهدة فيلم «غاندي»، والأمثلة أكثر من أن تحصى.

ولأن الأمر على هذا النحو ولأن سير الأفذاذ من الرجال الذين أثروا في شعوبهم وغيروا خريطة العالم وأقاموا دولاً في قلوب شعوبهم وعقولهم أولاً ثم حققوها على الأرض فكان الفكر سابقاً لها فحفظها الشعب وحافظ قادتها على أن تظل لحمة واحدة وجسداً واحداً، لم يكن يوماً إلا ساحة للخير والعطاء والنماء، الذي أدهش العالم، تلك هي المعجزة الإماراتية التي وقف أمامها العالم بالإجلال والتقدير، ومازالت تخرج لنا كل يوم من مكنون إبداعاتها الجديد حتى باتت حلماً يتجسد واقعاً وأملاً في قلوب أبناء شعوب منطقتنا، حين تشتد عليهم الأيام يظل هناك نموذج ماثل أمامهم بقدرة الإنسان على تحقيق المستحيل، حين تجتمع القلوب وتخلص يكون الله معيناً لهم، وحين يكون المقصد البناء لا الهدم.

إن قصة دولة الإمارات العربية المتحدة ومسيرة قادتها، الذين جعلوا مقصدهم الخير لشعوبهم فخلدها الناس وخلدوهم في قلوبهم، غير أن الدراما لم تكن يوماً بمستوى الفعل الذي تم، والبناء الذي شخص على الأرض، لم تزل الدراما التليفزيونية عاجزة أمام مسيرة دولة الاتحاد وقادتها، ولم يستطع كتابها ومبدعوها حتى الآن على مد أيديهم لاستخراج كنوزها، وكأن قوة الفعل الذي يتم على الأرض أصابت المبدعين بدهشة جعلتهم يترددون مراراً خوفاً من عدم القدرة على أن تستطيع الدراما تناوله بما يستحقه، وتلك معضلة كبرى.

في تقديري أن وقوف الدراما ومبدعيها عاجزين أمام سيرة الاتحاد ومسيرة رجاله يأتي من أن هذه المسيرة حية في عقول أبناء الوطن، يحفظونها بين عظمهم ولحمهم، ينعمون بخيرها، ويستظلون بشجرتها، وتجري فيهم مجرى الدم من العروق، وأنهم شهود عيان على أحداث يجب على من يتناولها أن يكون عمله على قدر البذل والتضحية التي تمت ومازالت، وذلك تحد يجعل المبدعين والمؤرخين يؤثرون السلامة.

غير أنه في الوقت ذاته لابد أن تعلم الأجيال الجديدة وتعي تاريخ بلادها، وأن تراه صوتاً وصورة وقصة تخلد حلقات متصلة ومترابطة ومتلاحقة من البناء والبذل والعطاء، تحتاج كل مرحلة منها الوقوف أمامها طويلا بالتأمل والنظر والفكر المبدع القادر على التجسيد لكي يستطيع الجيل الحالي والأجيال المتعاقبة أن تعرف كيف كنا وكيف أصبحنا ليحافظ على ما أفاء الله علينا به من مكتسبات.

إن العالم المنفتح من شرقه وغربه بأدواته وثقافته، كما أن دولتنا التي احتضنت مختلف الثقافات حاملة رسالة الخير والتسامح لا يمكن لها الحفاظ على هوية أبنائها من دون حبل سري يربطهم بتاريخهم مداده القيم الخالدة التي قام عليها والتي وضعت مفهوماً للمستحيل باعتباره جهداً يبذل وأن التحديات هي مصنع الرجال القادر على الفرز، إننا بحاجة ماسة لأن يوثق تاريخ دولة الاتحاد والكشف عن ملامح ذلك الكنز، ليس لأبناء الإمارات على أهميته فحسب، ولكن حقاً أصيلاً وخدمة جليلة للمجتمع البشري كافة.

Email