واحد صفر

ت + ت - الحجم الطبيعي

«واحد صفر» حسابياً الفارق بينهما مجرد خطوة، لكن في مسيرة النجاح الذاتي، والتطور الشخصي بين «الصفر والواحد» هناك ألف حكاية وحكاية، خطوة واحدة هي التي تفصل بين الإنسان الناجح والفاشل، بين الفائز والخاسر، وهذا لا يعني أن الرقم «صفر» يعني الفشل، بل هو السكون الذي تنطلق منه إما إلى القمة وإما إلى أسفل الأرض.

يتناول بيتر ثييل في كتابه «من الصفر إلى الواحد» سبل بدء أي مشروعٍ كان، والاستقلال في عمل خاص، حيث دعا في كتابه إلى الابتكار والانتقال من اللاشيء إلى أعلى مراتب التفوق.

عندما رُفض المحامي بيتر من الانضمام إلى فريق المحكمة الدستورية العليا الأميركية ليحقق بذلك أحد أهدافه العملية، والذي يعد تطوراً مهنياً لأي محام، ليُؤمن بذلك مستقبلاً ممتازاً، عزم على ألا يبقى تحت الرقم «صفر»، فقرر أن ينهض ويمضي قُدماً، فكان أمامه خياران: إما أن يبقى عند الرقم «صفر».

ويرجع إلى عمله في المحاماة، ويفتح مكتبه الخاص، وإما أن يقفز وينهض ليبتكر شيئاً جديداً يصل من خلاله إلى الرقم «واحد»، وهذا ما حققه فعلاً حين أسس شركة PayPal، التي صارت أهم مصرف إلكتروني تستطيع من خلالها تحويل الأموال عبر الإنترنت، وليُصبح العالم أجمع يتحدث بما أنجزه.

إن القصص كثيرة في هذا الخصوص، والكتب التي تخبرنا بهذه التجارب أكثر فأكثر، وما زلنا في دائرة «الصفر والواحد»، حيث باستخدامهما تشكلت لغة الحاسوب (0-1)، لتقوم بملايين أو مليارات العمليات الحسابية فقط بتبديل اللغة ما بين «الصفر والواحد»، وهذا يؤكد لنا أنهما أعظم رقمين عرفتهما البشرية.

والدليل أننا ندفع أعمارنا بأكملها، لكي نصل إلى الرقم واحد، ولنكوِّن بعد ذلك نجاحات مبهرة، فمن حقق ذلك هي قلة قليلة نطلق عليهم اسم (الناجحون)، أما (الفاشلون) فهم الفئة الأكثر انتشاراً، والذين اختاروا طريقاً واحداً سهلاً لم يحيدوا عنه ليُطوروا من أنفسهم.

نحن الآن في زمن الابتكار، والشخص الناجح هو من يجد فكرة جديدة ويُحسن تقديمها لكي تصنع له النجاح، لكن ما زالت بعض المشكلات والعقبات تقف حاجزاً بيننا وبين هذا الابتكار، وهي القيود الاجتماعية، التي ترسخت في عقولنا، فأصبح «الصفر» بالنسبة إلينا يُمثله المهندس، و«الواحد» يُمثله الطبيب، والبقية هم ما دون ذلك، ونجد أن مجتمعاتنا تنادي بعبقرية هؤلاء.

وقد تناسوا أن الذكاء سبعة أنواع بحسب النظرية، التي وضعها عالم النفس «هوارد غاردنر»، فالذكاء عنده عبارة عن مجموعة من المهارات تُمكن الشخص من حل مشكلاته، وكذلك القدرات التي تُمكن الشخص من إنتاج ما له تقديره، وقيمته في المجتمع.

إن الابتكار هو السبيل الوحيد للانتقال من اللاشيء إلى النجاح، وهذا ما نحتاج إليه حقيقة، فنحن بأمس الحاجة إلى مشروعات ابتكارية تغيِّر مجرى الإنسانية، كما ونريد لمجتمعاتنا العربية أن تقدم نماذج من الفكر النيِّر، وأن نسهم كلنا في إزجاء الحلول الناجعة؛ لكي نخدم بها العالم الذي لم نقدم له أي شيء حتى الآن.

كثيراً ما أتساءل ما الذي قدمناه ونقدمه للبشرية؟ وأين منجزاتنا التي نسعى من خلالها إلى الحفاظ على الأرواح؟!

ولو فكرنا قليلاً بما تصنعه أمتنا سنجد أنها لا تبتكر إلا الكلمات الرنانة، والأشعار الرقيقة، والخطب العصماء، وهذا أمر لا شك في أنه جيد، ويُحمد كل من قام به، لكن بالمقابل أين بقية العلوم؟!

فنحن ما زلنا متأخرين عن العالم في الكثير من القطاعات، فما الذي ينقصنا لكي ننجب أمثال «بيتر، ومارك، وستيف جوبز»؟ فهؤلاء كانت لهم بصماتهم التي غيروا من خلالها مفاهيم إلكترونية كنا أفضل من استخدمها، في حين أننا لم نفكر يوماً بأن ننتج شيئاً خاصاً بنا خدمة للبشرية.

في كل مرة تذهب فيها إلى الطبيب ليكشف عن سبب ألمك سيأخذ منك عينة من الدم، ويفحصها على ذاك الجهاز الألماني، وسيأخذ لك صورة «إشعاعية» على الجهاز الأميركي، وبعدها سيأخذ- فقط- قلمه العربي ليصف لك الدواء، وستخبره بأنك تفضل الدواء الأجنبي لمفعوله الأفضل، فهل تساءلت مرة لماذا تثق بهم إلى هذا الحد؟!

إن الإجابة عن ذلك بسيطة جداً، وهو لأنك في كل مرة تذهب بها إلى الطبيب ستجد جهازاً حديثاً ومطوراً يُسهِّل عملية اكتشاف مرضك، وهذه هي رسالة الغرب إلى البشرية، فكم من أرواح شاء لها، سبحانه وتعالى، أن تُحفظ بفضل هذه التكنولوجيا والتطور الصناعي الهائل الذي نراه في كل شيء.

وإن أردنا أن نُسقط هذا المفهوم على مجمل حياتنا فإننا سنجد أمثلة كثيرة على ذلك، حتى في أبسط الأمور: كالكهرباء، والأنوار، والسيارات، والمكيفات فجميعها صناعات غربية، أو على أقل تقدير أفكار غربية، فالذي ابتكر هذه الأجهزة وجد من يُشجعه ويُسانده على ما قام به، فكان نصيبه أن خرج من دائرة «الصفر» إلى «الواحد»، أي خرج من اللاشيء إلى كل شيء.

إن السكون يعني الموت، لذا عليك النهوض مهما كانت الصعوبات، فقد يُخيَّل لك في البداية أن كل شيء قد اكتُشف، وأن التطور وصل إلى ذروته، وأن الابتكار أصبح صعب المنال في ظل هذا الزخم من التحديثات والتطورات، لكن دعني أخبرك أنه دائماً هناك أسرار وأفكار لم تكتشف بعد، فكل ما عليك فعله هو أن تخرج من الصندوق، وتفكر بأشياء جديدة لم يفكر بها أحد من قبلك.

ما ينقصنا حقيقة هو التفكير العميق والدقيق، وأن نضع القواعد والأهداف التي نسير ونمضي إليها، وأن نشجع الصغار والكبار من أجل أن نسهم في بناء الحضارة، فقد قدم لنا الغربُ علومهم، التي أسهمت في بناء حضارتنا.

فلنعمل على المساهمة في تقديم ما من شأنه الرقي بالحضارة جمعاء، من خلال الإبداع في التفكير والعمل، فالذي نطمح إليه أن تصل بلادنا العربية إلى الرقم «واحد»، وألا تبقى مستسلمة ومتمسكة بالرقم «صفر»، أو ميتة ومنسية بما هو دون «الصفر».

حقيقة ولا أجامل في ذلك، إني أفخر بانتسابي لدولة الإمارات، ليس تعصباً أو عنصرية أو مجرد فخر، فالإمارات تشعرني أننا ماضون في إرسال رسالة هادفة إلى البشرية، وقد قلت ذات مرة: «عَلمُ الإمارات من الصحراء إلى الفضاء»، وهذه هي القفزة، التي ستتخطى «الصفر والواحد»، فحدود طموحاتنا السماء، وسنصل إليها، ونكتب الابتكار، ونخدم أمتنا، وبشريتنا، وإنسانيتنا.

 

Email