لماذا يتجهم العرب؟!

ت + ت - الحجم الطبيعي

الطاقة الإيجابية تعني أن تنظر إلى الجزء المليء من الكأس، وهذا ما نفتقده في مجتمعاتنا العربية، فإن خرجت من بيتك قاصداً أي وجهة، العمل، السوق، الحديقة، المكتبة، الجامعة، المدرسة، ستجد وجوهاً عابسة، وأجساداً تتمايل من ثمالة النعاس، وبهتاناً في حركة الأطراف، وكأنها فقدت أعصابها، ناهيك عن نبرات الصوت الحزينة الفاقدة للطاقة، وكأننا «شجرة» في فصل الخريف عارية أوراقها.. هزيلة أغصانها.

حاولت جاهداً البحث عن دراسات تعنى بأسباب هذه التعاسة العربية، وحتى عندما سألت «غوغل»، أظهر لي دراسات أخرى لا علاقة لها بالموضوع، وكأنه تناسى تماماً أو تجاهل مرادي، ربما لأن وجهة نظره «غوغل»، أن مسببات هذه الحالة غير مهمة وغير مدرجة في سجلاته، ومصيبة كبرى إن كان سبب تجاهله، أنه يعلم مسبقاً أن الكلام في هذا الشأن لن يجدي نفعاً، وبأن تغيير واقع الحال من المحال.

حقيقة، لا مجال أن أوجه اللوم إلى محرك البحث لتقصيره، إنما اللوم على مؤسساتنا البحثية ومراكزنا وجامعاتنا في العالم العربي، التي لا تعنى أبداً بدراسة طبيعة شعوبنا، ومعرفة الأسباب وما آل إليه الحال، وإيجاد الحلول والعلاج، وربما يميل الذكاء الاصطناعي إلى تفسير آخر، يقول لنا إن طبيعة شعوبنا العربية، ليصدر حكماً جازماً يقول إن الضحكة والبسمة لا تخرج إلا إذا كانت مرتبطة بالنقد والمال، ولو أن البعض لا تنطبق عليهم هذه القاعدة، وأنا أعتقد بأننا نحتاج إلى دراسة من إحدى المنظمات أو الجامعات العالمية عن أسباب الشعور بالتعاسة عند العرب، حتى يتسنى لنا معرفة أنفسنا وذواتنا.

نحن نفتقد المرح واستقبال اليوم بمنظور تفاؤلي، وبصورة إيجابية، ولن نصل إلى مبتغانا إلا إذا أعدنا تربية أنفسنا من جديد، وعَلِمْنا بأن الحياة روتين متغير الأحداث، فكل يوم ستفيق من نومك لتذهب إلى العمل، فلا تحزن لهذا، إذ عندما تفقد عملك ستبكي، وأنا أعدك بذلك، وعندما تصادفك أزمة الطريق، ابتسم، فهذا أمر طبيعي، فمرآة سيارتك العلوية ستكشف لك جمال وجهك، وعند وصولك إلى العمل، فأنت هنا لخدمة الآخرين، واعلم أن هناك الكثيرين ممن يخدمونك، حتى وإن كنت لا تراهم. هناك المعلم الذي يعلم أبناءك، وشرطي المرور الذي يساعد زوجتك على السير بسلام، وهناك الجندي الذي يحرس الحدود لأمنك، وهكذا هي الحياة، فلا تتذمر وتعبس في وجه مراجعيك وزملائك، فهم روتين متجدد، وعليك أن تستوعبه جيداً.

هذا ما فهمته الأمم الأخرى، ولسنا بمختلفين عنهم، إنما نحن متخلفون عنهم بخطوات، فلم ندرك بعد أن هذه هي الحياة. دعوني أخبركم بموقف طريف حصل بيني وبين أحد العمال الوافدين من جنسية أجنبية معروف عنها بأنها مبدعة في مهام الاستقبال على أبواب المحال والمولات والفنادق، فأخبرته مازحاً بأننا يجب أن نلغي تصاريح العمل الخاصة بجميع تلك الجنسية، فقال «سيير» لا يمكنكم فعل ذلك، فمن سيقول لكم: «ويلكم سيير، هلوو مااام»، أعتقد بأنكم عرفتم من أقصد، ومن هذا الموقف، يمكنك أن تعلم بأن العيب يكمن بثقافتنا العربية، فنحن لم نوطن أنفسنا على ثقافة المرح، ونستغرب عندما نسمع بكلمات عربية «أهلاً وسهلاً، صباح الخير»، لأنها لا تخرج إلا «للبقشيش»، وحتى بموروثنا الديني، لم نعمق مفهوم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تبسمك بوجه أخيك صدقة)، بقدر ما عمقنا فكرة أن التدين يحتاج إلى صرامة وجدية في التعامل.

نحن تربينا على «النكد» والسلبية، فحتى في أمثالنا نقول «الضحك بدون سبب قلة أدب»، أفليست البسمة إحدى حالات الضحك، وحتى في تعريفنا للشخص صاحب النكتة، فنصفه بأنه «مسخرة»، وكلامه مزاح في مزاح، وحتى إن وصفنا إحدى الجنسيات المرحة، فنقول إنه شعب بلا هموم، بل وصل بنا الحال للتفاخر بكشرتنا بقولنا «كشرتنا هيبتنا»، وكما يقال، هنا بيت القصيد، فهذه من أهم الدراسات التي يجب أن نركز عليها، وأستغرب فعلاً كيف نُدَرِّسْ تخصصات «الأنثروبولوجيا» في جامعاتنا العربية، ولا نعنى بدراسة شعوبنا العربية سلوكياتها وتصرفاتها.

أنت الآن تقرأ كلماتي، انظر إلى وجهك أليس عابساً، أصابع يديك أليست هزيلة، هل فكرت يوماً ما السبب؟، لا تخبرني بأن أقساط البنوك تلاحقك، والراتب قد تأخر، ولا تحاول إقناعي أن الأوضاع في بلدك هي من تربكك، وأبداً لا تجادلني بأن المشكلات العائلية هي السبب، إن أردت معرفة السبب، انظر إلى قلبك وعقلك، وحاول أن تعرف كم حاجزاً تشكل إثر جدالهما «هذا أحبه، وهذا فقط ما يجب أن أفعله»، هذا هو الذي يفصل بينك وبين الابتسامة.

الإيجابية، أن تنظر إلى يومك فقط، لا إلى حياتك بكاملها، فأمامك أو بين يديك جهاز ذكي تستطيع أن تنشر بواسطته كلماتك لتنشر الابتسامة، بدلاً من الأخبار الكاذبة، انظر إلى من حولك، وبادر بالسلام، ودَعْ كلماتك تخرج بعفوية، فلن تكلفك الكثير، وانتبه لنبرة صوتك عند الحديث، فاجعلها حماسية، ومن بعد هذا كله، عندما ترجع إلى بيتك، اذهب إلى غرفتك الخاصة، واجلس أمام المرآة، وحاول أن تشكل تعابير وجهك لتظهر الابتسامة، ويوماً بعد يوم، ستنعكس الطاقة الإيجابية على جميع تصرفاتك.

Email