روسيا والصين.. رؤية عالمية واحدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الثامن والتاسع من يوليو التقى قادة الغرب في قمة وارسو «لإعادة التأكيد على الدفاع المشترك في لحظة حاسمة من أجل أمن دولنا وشعوبنا». وعقب ثلاثة أيام في لاهاي أصدرت محكمة التحكيم الدولية حكماً طال انتظاره يؤكد أنه ليس للصين أساس تستند إليه في مطالبتها بملكية بحر الصين الجنوبي بكامله.

هذان الحدثان يبدو أنهما غير مرتبطين، ولكنهما سيترتب عليهما دفع روسيا والصين بشكل أقرب في مواجهة ما يعتبرانه خصمهما، أي الولايات المتحدة.

اجتماع «ناتو» لم يترك أي مجال للشك فيما يتعلق بالتهديد الرئيسي لأعدائه أي تحركات روسيا العدوانية، وتبدو إشارات البيان الختامي لروسيا كإدانة لمجرم، حيث تتهم موسكو بذلك بالإضافة إلى أمور أخرى منها:

التهديد الإرهابي من الشرق الأوسط، المذكور في البيان أيضا يأتي في المرتبة الثانية بعد هذه التهديدات. ولردع موسكو اتفق الحلفاء على نشر مجموعات متعددة الجنسيات قوامها كتيبة إلى دول «ناتو» الأربع التي تربطها حدود مشتركة مع روسيا وهي بولندا، لتوانيا، لاتفيا وإستونيا.

وجاء الرد الروسي غاضباً على نحو متوقع. حيث تنظر موسكو إلى نشر قوات في بولندا ودول البلطيق باعتباره خرقاً كبيراً للتحرك المؤسس للعلاقات بين ناتو وروسيا والذي وافق فيه الطرفان على تجنب نشر قوات قرب حدود بعضهما بعضاً. وأبدت روسيا قلقها أيضا من جهود «ناتو» المتواصلة لبناء نظام دفاع بالستي في أوروبا.

وتضايق الكرملين أيضا من دعوة «ناتو» لدولة مونتينجرو البلقانية الصغيرة التي ربطتها علاقات تاريخية مع روسيا للانضمام إلى التحالف باعتبارها العضو التاسع والعشرين فيه. وتخشى موسكو أن جمهوريات أوكرانيا وجورجيا وملدوفيا، وهي جمهوريات سوفييتية سابقة قد يأتي الدور عليها.

ونددت موسكو باجتماع وارسو باعتباره محاولة «لتشويه صورة روسيا» من أجل إبعاد اهتمام الرأي العام عن الدور المدمر للحلف في إثارة الأزمات ومفاقمة التوترات حول العالم.

وعلى نحو متوقع فإن بكين وصفت الحكم ونتيجته بأنه «مسرحية سياسية» وأعلنت أنه «ملغى وباطل». وشأن روسيا فإن الصين تعتبر واشنطن الجاني الأساسي الذي يثير القلاقل في بحر الصين الجنوبي، من خلال تحريض الفلبين ودول أخرى للوقوف في وجه الصين.

وعلى وجه المصادفة، فإن لجنة التحكيم المؤلفة من خمسة أشخاص مثل أربعة من القضاة فيها حلفاء أميركا في حلف شمال الأطلسي (فرنسا وبولندا وألمانيا وهولندا) وليس لدى بكين أي شك في أن حكم المحكمة جزء من مؤامرة واشنطن للضغط على الصين، وعزلها واحتوائها.

في الشهر الماضي، أبحرت سفن حربية صينية وروسية بصورة متزامنة في المياه القريبة من جزر سينكاكو في بحر الصين الجنوبي التي يدور النزاع بين طوكيو وبكين حول ملكيتها الأمر الذي ترك الحكومة اليابانية متسائلة عما إذا كانت تلك خطوة منسقة للضغط عليها.

وقد تبحث الصين وروسيا القيام بمناورات بحرية مشتركة في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه إلى حد كبير. وفي حال انضمت السفن الروسية إلى قوة الصين البحرية هناك فإن هذا سيعني تغيراً كبيراً في سياسة موسكو التي حاولت حتى الآن الإبقاء على الحياد التام في الخلافات حول السيادة بين الصين والمطالبين بحقوق في بحر الصين الجنوبي.

ومنذ عامين كتبت أقول إن سياسة أميركا الخاصة بالاحتواء المزدوج ضد روسيا والصين من المحتم أنها ستدفعهما معا لتشكيل شبه تحالف معاد للغرب وربما إعادة إيجاد أوضاع أفضت قبل قرن من الزمن إلى الحرب العالمية الأولى.

ويبقي الخصوم خطوط الاتصال مفتوحة. وعادة ما يجري كل من بوتين وأوباما محادثات هاتفية بانتظام. ويعقد مجلس «ناتو- روسيا» اجتماعات وقد قام وزير الخارجية الأميركي بزيارة موسكو أخيرا. وعقد كل من تشي جينبينغ وأوباما عدة لقاءات خاصة. وانخرط عدد كبير من المسؤولين الصينيين والأميركيين في محادثات أمنية كثيرة.

المشكلة هي أن هذه الحوارات لن تصل لنتيجة مع تحدث أطراف عدة على نحو كبير مع بعضها بعضاً. الولايات المتحدة وحلفاؤهما شأن روسيا والصين يحتاجون إلى بعض التغير في كيفية النظر والتعامل بعضهم مع بعض. ولكن يبقى السؤال مفتوحاً عما يقتضيه الأمر لتنفيذ مثل هذا التحول.

 

Email