حقائق يكشفها الاتفاق الأوروبي التركي

ت + ت - الحجم الطبيعي

يستغل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أزمة المهاجرين في أوروبا للحصول على دعم الاتحاد الأوروبي لنظامه. واللاجئون البالغ عددهم نحو 2.5 مليون لاجئ في تركيا هم الورقة الرابحة بالنسبة له، وهو من يحسم المواقف.

وأفضى اللقاء الذي عقد في أكتوبر من العام الماضي بين أردوغان ورئيسي المجلس الأوروبي والمفوضية الأوروبية إلى اتفاق يتم بمقتضاه تأجيل إصدار تقرير الاتحاد الأوروبي بشأن تركيا. وهو التقرير الذي تضمن انتقادات خطيرة لحزب أردوغان.

وبدا رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر راغبا في التغاضي عن أشياء كثيرة يراها سلبية في تركيا. وعلى الرغم من ذلك، فإن أردوغان تصرف كما لو كان تعرض للإهانة بفعل عرض الاتحاد الأوروبي تقديم ثلاثة مليارات يورو مساعدة مالية، وأشار إلى أن اليونان قد تلقت خلال أزمتها 400 مليار يورو كمساعدات. وعقب ذلك هدد بفتح »الأبواب لليونان وبلغاريا وجلب اللاجئين بالحافلات إلى أوروبا«.

وقد يفسر كل هذا سبب التقاء المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل زعيمة أقوى دولة في الاتحاد الأوروبي بقيادة تركيا خمس مرات، خلال الشهور الأخيرة. رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو تفاوض مجددا مع قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل بشأن اللاجئين، ونجح في مضاعفة العرض الأوروبي من ثلاثة مليارات يورو إلى ستة مليارات يورو.

وبالإضافة إلى ذلك فإن الاتحاد الأوروبي قد يرفع متطلبات تأشيرات السفر بالنسبة للمواطنين الأتراك الذين يسافرون إلى منطقة الشنغن في أوروبا. وفي المقابل، ستسمح تركيا لحلف »ناتو« بإعادة دخول بعض اللاجئين الذين توجهوا إلى أوروبا.

وقال المفوض السامي للاجئين في الأمم المتحدة صراحة إن الصفقة التي أبرمت بين تركيا والاتحاد الأوروبي والتي ستعيد اللاجئين الموجودين في أوروبا إلى تركيا مجددا تتعارض مع القانون الدولي والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. وبهذه الاتفاقية، يتغاضى الاتحاد الأوروبي عن نظام أردوغان.

وأخيرا، نشرت صحيفة »جمهورية« وهي واحدة من أكثر الصحف التركية تمتعا بالتقدير، تقريرا عن شحنة أسلحة بعث بها حزب العدالة والتنمية إلى المتشددين في سوريا. ومن ثم ندد أردوغان برئيس تحرير الصحيفة كاندون دار، ومدير مكتب الصحيفة في أنقرة أرديم غول، وأعلن أن المسؤولين عن التقرير سوف »يدفعون ثمنا باهظا عنهم«

و تم إلقاء القبض عليهما واتهما بالتجسس وأودعا السجن 92 يوما حتى حكمت المحكمة الدستورية بعدم جواز سجنهما. وعقب الإفراج عنهما، أعرب الرئيس التركي عن ازدرائه لحكم المحكمة ورفضه له.

واستهدفت حكومة حزب التنمية أيضا الأكاديميين الذين انتقدوا سياساتها. ومنذ يوليو الماضي، أصبحت المواجهات في الجنوب الشرقي بين قوات الأمن التركية وحزب العمال الكردستاني أكثر فتكا. وهناك أكثر من 100 مدني لقوا مصرعهم، بينما هناك الآلاف الذين يعانون وسط عمليات حظر التجول التي تمتد لأسابيع عدة.

وفي يناير الماضي، وقع 1,128 أكاديميا تركيا وأجنبيا التماسا لافتين النظر فيه إلى هذه الأزمة الإنسانية. ووصف أردوغان الأكاديميين بالخونة، وأعطى الضوء الأخضر لإجراء تحقيق جنائي.

هؤلاء المشمولون بالتحقيق يواجهون عقوبات محتملة بالسجن تتراوح بين ستة أشهر إلى عامين. وفي هذه الأثناء قدم مشروع قانون للبرلمان لرفع الحصانة عن خمسة نواب عن حزب الشعب الكردي الديمقراطي على خلفية »كونهم أعضاء في منظمة ارهابية«.

ووصل استهداف حزب العدالة والتنمية للصحافيين إلى بعد جديد عندما استولت الحكومة على إحدى أكثر الصحف توزيعا وهي صحيفة: »زمان«، المعروفة بحركة غولان، وهي منظمة تركية دينية وثقافية.

توجهات أردوغان السياسية سارت وفق نموذج ثابت خلال السنوات الأربع عشرة التي أمضاها في السلطة: من التحالفات المؤقتة والتفاوض مع الخصوم، ومن ثم الانقلاب على الشركاء القدامى .

وفي الوقت ذاته، يشار إلى أن السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي خلال السنوات الخمس الماضية كانت مخجلة. وعقب الانتفاضات العربية، ساعدت على الإطاحة بنظام الرئيس الليبي معمر القذافي بقصف ليبيا وترك البلاد خرابا.

وفي سوريا سمح لتركيا ودول أخرى بتسليح المعارضة، وصعدت المظاهرات المدنية إلى حرب أهلية واليوم يعقد الاتحاد الأوروبي صفقات خفية مع تركيا لحل أزمة اللاجئين ذاتها التي ساعد على ايجادها.

وبالرضوخ للضغوط من الشركاء وبرفض أخذ مواقف حاسمة وثابتة فإن الاتحاد الأوروبي يتهمه البعض بالتراجع عن مبادئ الديمقراطية والحرية الفردية. وقبل ألف وخمسمئة عام تقريبا، انهارت الامبراطورية الرومانية بسبب موجات التوغل من جانب البدو. واليوم مع أزمة اللاجئين الحالية نشهد انهيار »الامبراطورية« الأوروبية الناجمة عن إفلاسها الأخلاقي.

 

Email