شباب اليوم قادة اليوم

ت + ت - الحجم الطبيعي

إن الأمم التي تحرص على أن تكون دوماً متجددة تدب في أوصالها أسباب الحياة السليمة، لا يمكن أن يتحقق لها ما تريد دون أن يكون شبابها حاضرا بقوة الفكر والعمل، والدافعية المنطلقة من أنهم قادرون على التحدي والتغلب على الصعاب، وأن لديهم ما يقدمونه لخدمة أوطانهم، إلا أن هذه القدرة لا تكتمل، والأفكار لا تنضج، والثقة لا تتعاظم، دون أن تتاح لها آفاق رحبة تعبر فيها عن نفسها ولا تبقى حبيسة العقل والنفس لا يسمع أحد نداءها ولا يرى آثارها، فتموت سريريا ويصاب العقل بالتكلس الذي يمنعه من مجرد المحاولة.

ولأن قيادتنا الرشيد آمنت دوماً بالشباب، وأنهم أمل هذا الوطن وحملة راية المستقبل، فكان الاستثمار في البشر يحتل صدارة خططنا عبر التعليم والتدريب المستمر والدفع بهم وتمكينهم في شتى المجالات، ولم يكن ذلك ليتم لولا أن قادتنا كانوا القدوة في ذلك والشواهد كثيرة، فقد تولوا في صدر شبابهم أعباء ثقال، غير أنهم تحملوها في سبيل هذا الوطن وحققوا إنجازات أذهلت العالم ولا يزالون، فصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد عندما تولى وزارة الدفاع في دولة الاتحاد كان الأصغر سنا بين أقرانه على مستوى العالم غير أنه اتخذ قرارات تاريخية لنصرة من ظلم ومن احتلت أرضه.

لذا كانت دعوة سموه للشباب، من هم في سن الخامسة والعشرين لكي يتولوا حقيبة وزارية، قائمة على إيمانه بقدراتهم وثقة منه في أن الشباب هم أفضل من يعبر عن نفسه دون وكالة من أحد، آية ذلك ما أكده سموه «أن دولتنا دولة شابة قامت على الشباب، ووصلت إلى المراكز الأولى عالميا بسببهم، وأن الشباب هم سر قوتها وسرعتها، وهم الكنز الذي ندخره للأيام المقبلة».

ولا شك أن هذا النداء الوطني الذي أطلقه سموه يأتي متسقا مع نهج القيادة منذ مرحلة بناء دولة الاتحاد وخلال مسيرتها، والشاهد ما أكده الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه حين قال «أدعو أبنائي الشباب إلى ضرورة تحمل مسؤولية الأمانة بروح جادة، وأن يؤدوا واجباتهم تجاه الوطن الذي يحتاج إلى بذل كل الجهد من أبنائه الشباب، وأن يتذكروا دائماً ماضي الآباء والأجداد وكيف عانوا من مصاعب الحياة، وأن يقتدوا بهم حيث كانوا رمزاً للإخلاص، فمهدوا لنا الطريق لنصل إلى ما نحن فيه من نعمة وخير يستحق الحمد والثناء للخالق عز وجل».

إنه نهج القيادة في أن الشباب هم عماد هذا الوطن وبه يرتقي، غير أن ما يجب التوقف عنده بالتأمل أن دعوة الشباب لتحمل حقيبة وزارية لم تكن بقرار فوقي غير أنه جاء بأسلوب متفرد كما هو شأن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد فيما يطرحه شكلا ومضمونا. لقد جاء التكليف عبر استفتاء شعبي يخرج من المؤسسات التعليمية، وكأنه يدشن مرحلة من السباق الوطني الكبير يشمل أنحاء الدولة، لينشط الشباب ويتقد الذهن وتقوى العزائم وتعلو الأصوات ها أنذا، وفي خدمة الوطن فليتنافس المتنافسون.

كما إن دعوة الجامعات للترشيح من بين طلابها أو خريجيها لهي شهادة كبيرة لهذه المؤسسات بأن مخرجاتها قادرة على التحدي، وأن القيادة تثق أنها قادرة على ضخ دماء شابة في عروق الوطن الفتي، وأن عليها أن تتهيأ لهذا الدور الوطني، كما أن على شباب الوطن أن يتسلحوا بالعلم، مصداقا لقول سموه «على الشباب أن يتزودوا بالعلم والمعرفة لأنهما السلاح الوحيد والدائم والقوي في هذه الحياة».

كما إن تأكيد سموه بأن للشباب آمالاً وطموحات وقضايا وتحديات وبهم تنهض المجتمعات أو تنهار وعلى أيديهم تتحقق الإنجازات أو الإخفاقات، ذلك أن الشباب هم بالفعل العنصر الغالب على تكوين المجتمع العربي بصفة عامة، وهم الأقرب والأنجع في التعبير عن قضاياهم، كما أنهم أقدر على مخاطبة نظرائهم.

ولا شك أن دعوة الشباب لتحمل مسؤوليته الوطنية في مستوياتها العليا يفتح آفاقا رحبة للإبداع والابتكار بلا حدود، وأنه لا شيء يحول دون طموحك في خدمة الوطن ما دمت مسلحا بالعلم قادرا على العطاء، وهو يرسخ الانتماء لهذا الوطن والبذل دونه ويعلو بسقف اهتماماتهم. إن أمة يتحمل أبناؤها المسؤولية الوطنية في شبابهم هي أمة شابة متجددة، تدرك طبيعة عصرها بحركته المتسارعة، وتعد العدة لمستقبلها، وإذا كانت الحكمة التي توارثناها منذ طفولتنا أن شباب اليوم هو قادة الغد فإن قيادتنا الرشيدة تعلنها أن شباب اليوم قادة اليوم فليس لدينا رفاهية الانتظار إلى الغد.

Email