النووي السعودي في الطريق

ت + ت - الحجم الطبيعي

تصريحات عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي، الأخيرة بشأن النظام الإيراني جاءت في توقيت جيد، وكان لا بد منها في هذه المرحلة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط.

جاءت تصريحات الجبير من خلال مقال في صحيفة نيويورك تايمز الأميركية خلال يناير الجاري، لتوضح لصناع القرار والمؤثرين في السياسة الأميركية الخارجية أن المملكة لن تقف مكتوفة الأيدي في حال حاز نظام طهران السلاح النووي، وستسعى الرياض لامتلاك سلاح مماثل.

من الممكن أن يكون توازن الرعب النووي في الشرق الأوسط من السبل التي قد تمنع من اندلاع حرب مباشرة بين السعودية وإيران، فعلى سبيل المثال كانت أجواء الحرب المباشرة تخيّم على حالة المد والجزر بين الهند وباكستان قبل دخولهما النادي النووي عام 1998، ولكن بعد ذلك أدرك الطرفان أن أي مواجهة عسكرية شاملة بينهما ستكبّد الطرفين والعالم خسائر كبرى.

صحيح أن الردع النووي لم يحقق السلام المطلوب بين الهند والجارة باكستان وإنهاء الصراع في إقليم جامو وكشمير المستمر منذ أكثر من نصف قرن من الزمن، لكن شبح الحرب المفتوحة تراجع إلى حد بعيد.

الجبير أعاد التأكيد أن نظام طهران منذ عام 1979 عمل على زعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط وزرع الفتن الطائفية في بقعة هشة، من أجل بسط هيمنته على المنطقة.

ويتبجح المسؤولون الإيرانيون علانية بذلك، بإعلانهم بعد انقلاب الحوثيين على الشرعية اليمنية في صنعاء أن أربع عواصم عربية تدور في فلك طهران من بغداد ودمشق وبيروت إلى صنعاء، كما أقر قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري، خلال شهر يناير الجاري، بتجهيز 200 ألف مقاتل ممن سماهم «الجيل الثوري المسلح» في دول المنطقة، وفق ما نقلته وكالة «فارس» الإيرانية.

واستمرار إيران في احتلالها الجزر الإماراتية الثلاث ورفضها كل الدعوات الإماراتية لحل النزاع من خلال المفاوضات المباشرة أو اللجوء إلى التحكيم الدولي يؤكد بلا شك أن نظام الملالي بعيد كل البعد عن إحلال الاستقرار والأمن في المنطقة.

ففي عام 2002، صنّف الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش نظام طهران ضمن «محور الشر» إلى جانب عراق صدام حسين وكوريا الشمالية، وهي الدول التي اتهمها بدعم الإرهاب والسعي لامتلاك أسلحة الدمار الشامل.

إيران كانت وما زالت محوراً للشر في المنطقة العربية برغم توقيعها على الاتفاق النووي أخيراً، فطهران تتنفس الصعداء في الوقت الراهن مع رفع العقوبات المفروضة عليها وعودة أموالها المحتجزة التي تقدرها بعض المصادر بـ50 مليار دولار أميركي.

ولن تتوانى إيران في استخدام العائدات المالية لدعم محاور الشر التابعة لها كنظام الأسد وحزب الله وجماعة الحوثي الانقلابية، والتحريض ضد الحكومات الشرعية في المنطقة، بدلاً من تسخيرها من أجل التنمية وتحسين الظروف المعيشية للشعب الإيراني.

والانتخابات الإيرانية المرتقبة في 26 فبراير المقبل لن تسفر عن توجه جديد أو تغيير مرتقب من قبل الشعب الإيراني، وذلك بعد إقصاء أغلب الخصوم السياسيين للزمرة الحاكمة والإصلاحيين.

إن منطقة الشرق الأوسط من أسخن المناطق في العالم من ناحية الطقس والصراعات السياسية، ولا يبدو في الأفق القريب أية انفراجة في الملفات السياسية والأزمات المزمنة في المنطقة.

والقوى الدولية الفاعلة لا تنخرط بما فيه الكفاية لإنهاء الصراعات، وإنما تكتفي بأداء دور مدير في إدارة الأزمات، بحيث لا تمتد ألسنة النار خارج المنطقة، ولذلك فإن المملكة مطالبة اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، بأن تواصل جهودها لحشد الموقف العربي والدول الإسلامية للخوض في التحديات الراهنة.

إن الثقل السياسي والعسكري والاقتصادي والديني للسعودية يؤهلها لقيادة المنطقة ومواجهة المخاطر المهددة للأمن والاستقرار في الشرق الأوسط بتضافر الجهود مع بعض الدول العربية المؤثرة كما نشاهد اليوم في اليمن.

إن المواجهة مع طهران ستكون حتمية طالما استمر التدخل الإيراني في الدول العربية، وربما من المهم جداً أن تعمل المملكة على قطع الصلة بين الدين وإيران، الدولة التي تسعى إلى التوسع والهيمنة على الدول المجاورة وإيصال هذه الحقيقة إلى عامة المسلمين.

حيث إن استغلال الدين والمال جزء من السياسة الإيرانية لتحريك بعض الجماعات والأقليات لأجل إثارة الفتن والتحريض على الحكومات، وليس من المستبعد خلال الفترة القريبة أن نرى أقلاماً عربية وغيرها تنفث حبراً إيرانياً في الإعلام العربي والعالمي، في ضوء توافر السيولة الزائدة لدى طهران بعد رفع العقوبات.

إن المرحلة المقبلة تتطلب عملاً عربياً مشتركاً بقيادة المملكة العربية السعودية ومصر والدول العربية المؤثرة، وذلك من خلال خطة استراتيجية تمتد على مراحل زمنية تعالج أزمات الشرق الأوسط وفق تحديد أولوية الأوليات.

السياسة الدولية اليوم تشهد تغييراً كبيراً بعدما كانت ثنائية القطبية ثم أحادية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، لكن دور شرطي العالم تراجع كثيراً بعد انتخاب الرئيس الأميركي باراك أوباما، وحالياً تؤدي واشنطن دوراً أقرب إلى دور شرطي مرور، يمرر بعض السيارات في المختنقات، وكذلك حال منظمة الأمم المتحدة، حيث خبا دورها، وتحولت إلى هيئة اجتماعية وبيئية.

نشهد اليوم تحولاً باتجاه جديد لم تبرز معالمه، ولكن يهمين عليه اتجاه تحقيق المصالح الاستراتيجية والاقتصادية، ولذلك من المهم أن يكون الحلف العربي المتمثل في الجامعة العربية أكثر فاعلية، وربما من المفيد إشهار مقولة جورج بوش، الرئيس الأميركي الأسبق: «من ليس معنا فهو ضدنا»، في وجه بعض الدول العربية التي تتخاذل في دعم التحالف العربي بقيادة السعودية.

Email