الابتكار صناعة المستقبل

ت + ت - الحجم الطبيعي

التحديات التي عاشتها أجيال القرن الماضي، وما كابدوه في تلك الأيام، دفعهم إلى ابتكار الاتحاد والوحدة في دولة الإمارات، منطلقاً لمستقبل أبنائهم، أما أحفادهم اليوم، الذين يقفون أمام تحديات متلاحقة أكبر، تستدعي البناء على ذلكم الابتكار الذي أسست بنيانه عزائم الرجال الذين صدقوا النيات، فحازوا خلوداً في التاريخ لم نعرف له مثيلاً، ولم تعد أجيال اليوم بعيدة عن الرافعة الأساسية التي تبني المستقبل وتصنعه، ألا وهي الابتكار بمفهومه العميق والشامل المتكامل.

إن الانطلاقة الكبرى التي تشهدها دولة الإمارات في مسار الابتكار، تستدعي منا المضي في القول إن الرهان على الإنسان المبتكر، يقود قاطرة الاتحاد القائمة، إلى صناعة المستقبل المشرق، اليوم تفتح الإمارات 100 باب للابتكار، وتحدد 300 مليار درهم، إنفاقاً على القطاعات المرتبطة بالعلوم والأبحاث والتقنيات المتقدمة.

وتعزز استخدام الطاقة النووية السلمية، وبرامج في الروبوتات والذكاء الاصطناعي والجينوم، وتطرح مجموعة متكاملة من برامج للدراسات العليا والأبحاث التطبيقية المتخصصة، وتحفّز التعاون الاستراتيجي بعيد المدى بين الجامعات محلياً وعالمياً مع القطاع الخاص.

الدوائر المحلية والاتحادية الإماراتية، أطلقت 1000 مبادرة ومشروع على مستوى الدولة، خلال #أسبوع_الإمارات_للابتكار، تحت شعار #الإمارات_تبتكر للتعريف والتحفيز والبناء واكتساب المزيد من الخبرات ونقل المعارف والعلوم، وهي بدايات مشجعة ومفرحة، تجعل من بيئة الدولة منبتاً للأفكار والأحلام الكبرى، ولا تقف عند حدود، بل تتجاوز الأرض لتصل إلى الفضاء والسماء.

حري بنا، ونحن نستلهم من تجارب الآخرين، أن ندقق النظر في ركائز الابتكار التي تبني الصحيح من البناء، وتشيّد القوي من البنيان، ولا نقف عند المسميات أو نغفل حقائق الاسم وبواطنه التي تحرك وتؤتي اليانعات من الثمار والنتائج، وهذا المفهوم الذي بدأناه في مقالة سابقة، وتحدثنا معاً عن ركائز أربع، شرحنا اثنتين، هما العلم والتركيز، وبقيت ركيزة التبني والتحفيز.

وعلى الرغم أن تبني الابتكار أساس لصناعة المستقبل، بدأته الكثير من الدول والمؤسسات حول العالم منذ حين، فإن الإمارات اليوم، وهي تستعيد زمام المبادرة في هذا الاتجاه، تسير بخطى ثابتة وواضحة، وحاجة المؤسسات فيها، وكذلك الأفراد، وهي تكوّن الحاضنات، وتتبنى الأفكار وأصحابها تحتاج إلى عمق يتعدى البنيان والإطار إلى وضع النتائج المؤثرة في تبنيها الخطط والاستراتيجيات.

أما التحفيز، فقد بدأته قيادة دولة الإمارات، عبر إنشاء صندوق «أفكاري»، ورصدت الميزانيات للإنفاق على كل فكرة تطويرية، أما الذي نحتاجه، وبشكل عاجل، وضع التحفيز والتقدير لأصحاب المبادرات الابتكارية والأفكار الإبداعية التي تغير الواقع، أولوية رئيسة، وهذا الذي يطلبه صاحبنا المبتكر ويسعى إليه، هو تقدير يغير واقع الحياة، وتحفيز يعيد برمجة الممارسات اليومية، لتكون أكثر تفاعلاً وانسجاماً وأملاً بالتغيير الحقيقي.

إن الخروج من واقع الأماني المجرّد، يتطلب وضع الأمور في مراحل العمل المختلفة، وقد تكون الحاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى، إلى إنشاء «مجلس أعلى للابتكار والبحث العلمي» على مستوى الدولة، ولا نستبعد أن نرى قريباً وزارة معنية بالابتكار وممارساته وإدارة مكوناته، خصوصاً أن الدولة تضعه ضمن الأجندات الوطنية الرئيسة، وترصد له الموازنات الضخمة، سعياً لإيجاد البدائل الكفيلة للاستمرار نحو الصدارة والقيادة العالمية.

ستظل الدول والشعوب المتحركة في اتجاهات إعمار الأرض متماسكة صلبة أمام تقلبات الحياة، وسيبقى الاجتماع والفعل الإنساني القادر على تفعيل عوامل البقاء والاستمرار، بل البناء والإضافة، أهم مكونات صناعة المستقبل، الذي يجعل من الابتكار عملاً وتفكيراً وممارسة حياتية يومية، وأول الأفعال تتلخص في الإيمان بالمفهوم.

وتمضي إلى الأخذ من أصحاب المعارف والتجارب أجود ما وصلوا إليه من علوم ذات ممارسات وتطبيقات عملية، ثم لا نتجاوز ذلك دون تدريب أصحاب الإرادة ومنحهم أدوات الولوج إلى عالم حقيقي من الابتكار المنشود.

إن مقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، خلال القمة الحكومية الأخيرة، حين أعلن أن دولة الإمارات العربية المتحدة، ستحتفل بتصدير آخر برميل نفط، تترجم اليوم عملياً، عبر بناء العقول.

والاعتماد على الله أولاً في إيجاد الإنسان المتعلم والماهر والمبتكر، وثانياً، في ما نشهده من دولة تضع المستقبل والابتكار فيه أولوية في ظل مناخ عالمي متقلب ومخيف أحياناً، حري بهذه الدولة، حفظها الله، البقاء، لأنها صاحبة إرادة في العمران الحضاري الإنساني.

الحاجة ماسة اليوم لوضع التصنيع في ممكنات الحضارة والابتكار لإيجاد حواضن الصناعة الثقيلة والاكتفاء داخلياً، والتصدير للمحيط مستقبلاً، لنجعل دولة الإمارات والمنطقة الخليجية والعربية منطلقاً للبرمجيات، وإعطاء الفرص للشركات الصغيرة والمتوسطة، الوطنية والعربية، لإبراز قدراتها، وإن تمكينها مهمة وطنية مشتركة.

إضافة إلى صناعات أخرى، تستدعي حاجة اليوم وضرورة الغد، أن تكون ضمن أولويات مشروعاتنا في الابتكار، ويبقى الاتصال والتواصل مرتكزاً لا مناص من تفعيل قنواته، إن أردناه مستقبلاً زاهراً، يكرّم الإنجاز وأهله، وشواهد التاريخ لا تستثني أصحاب الهمم الساعين للقمم من الوصول والبقاء والنماء، وإننا لقادرون.

فائدة الختام في قول المتنبي:

إذا غامرتَ في شرفٍ مرومِ.. فلا تقنع بما دونَ النجومِ

Email