لماذا نقف مع اليمن؟!

ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك سؤال مُلحّ يسأل كثيراً هذه الأيام: هل كان لزاماً على دول الخليج أن تذهب إلى اليمن وتحارب لإرجاع الحق والشرعية؟ ولماذا يدخل الخليج بكل قوة في منطقة ساخنة مثل اليمن عرفت منذ زمن بالتوترات والتجاذب العسكري والسياسي؟

الإجابة عن مثل هذه الأسئلة قد يعيدنا إلى الوراء قليلاً وبشكل أدق إلى يوم 9 أبريل 2003 وإلى بغداد بالتحديد، في مثل هذه اليوم سقطت بغداد بأيدي الاحتلال الأميركي ومن أتى معه على ظهور الدبابات وسرعان ما حكم هؤلاء العراق، ومنذ ذلك الحين والعراق يعيش بأزمة تلو أخرى ويتقاتل أبناء الوطن الواحد على كل شيء وأي شيء..

ونخرت الطائفية جسد العراق المنهك أصلاً من ويلات الحروب طوال عقود. بعد كل هذه الأحداث وتسارعها من كان يعتقد أن العراق سيركع لعدوه اللدود وسيكون مجرد محافظة من محافظات إيران بعد أن كان نداً شرساً لها طوال عقود؟!

لم يكن أكبر المتشائمين وأدهى المحللين يتصور لوهلة أن يخضع العراق سريعاً لنظام طهران، لكن الشواهد والوقائع على الأرض لم تترك مجالاً لأحد أن يؤول أي تفسيرات أخرى، كان العراق منذ الأزل أرضاً خصبة للفتن والاضطرابات، والتاريخ أثبت أن العراق لم يُحكم إلا من أشد الناس، وفي فترات كثيرة حكم بالحديد والنار، لذلك لم يدر في خلد شعبه التواق للحرية أن يحكم مرة أخرى بالحديد والنار، وقد كان.

طوال 12 سنة حكمت إيران العراق وكانت الآمر الناهي في عاصمة الخلافه السابقة، تعيّن الرؤساء وتؤسس الجيوش وتعزل القادة، وطوال هذه الفترة أسست 52 ميليشيا جعلتها أذرعاً عسكرية تتلقى الأوامر من طهران مباشرة، وسرعان ما انتقلت أدبيات «الثورة الإسلامية» التي قام بها الخميني في إيران إلى العراق وتم تطبيقها بحذافيرها.

يعد مبدأ «تصدير الثورة» من أهم ركائز عقيدة الخميني، فالثوري الإيراني الذي حل في طهران على متن طائرة الخطوط الفرنسية ما انفك من ترديد حلمه في تصدير ثورته إلى العالم في كل خطاب أو لقاء تلفزيوني وهو القائل: «إن علينا أن نسعى لتصدير ثورتنا إلى العالم، وأن نتخلّى عن فكرة الامتناع عن تصدير الثورة، لأن الإسلام لا يميّز بين مواطن المسلمين، ويناصر ويدافع عن مستضعفي العالم كافة».

فكيف سيصدر الخميني ثورته وعلى ماذا سيعتمد؟

يؤمن الخميني بمفهوم الدولة الإسلامية العالمية تحت حكم الولي الفقيه، إذ تمتد هذه الدولة حسب مفهوم الخميني من جاكرتا إلى الدار البيضاء، ولن تكتمل هذه المرحلة إلا باجتياز البوابة الأولى «العراق» ودول أخرى، يلي هذه المرحلة مرحلة ثانية تقضي بإسقاط الحكم في كل الدول الاشتراكية ..

ومن ثم ينتقل إلى المعركة الأخيرة التي لا تكتمل إلا بالقضاء على النظام الرأسمالي وصولاً إلى عاصمة «الشيطان الأكبر»، عندها سيقوم الخميني أو من سيخلفه بإعلان ولاية الفقيه الكونية الذي يملك صلاحيات الأئمة والأنبياء.

هنا يجب أن نوضح نقطة مهمة في هذا السياق، وهي أن مفهوم تصدير الثورة لا يقوم إلا بمفهوم السلاح الأيديولوجي والعسكري أيضاً، لذلك أناط الخميني لهذه المهمة حرسه الثوري..

والحرس الثوري بالتعريف المبسط هم جماعة أو مليشيا مهمتها الرئيسية هي حماية الثورة ومكتسباتها مع الأخذ بعين الاعتبار أنها جماعة مؤدلجة وتنتمي أيديولوجياً للخميني أو من ينوب عنه مباشرة، ولا ينفك الخميني من مدح الحرس الثوري، فقد قال في مرة من المرات: «لو لم يكن حراس الثورة ما كانت الدولة، إني أوقرهم وأحبهم وعيني عليهم، فلقد حافظوا على البلاد عندما لم يستطع أحد».

يقوم الحرس الثوري بشكل خاص على تدريب الشباب وخاصة المتحمسين في معسكرات تدريب خاصة في إيران وخارجها، على حمل السلاح وحرب الشوارع والعصابات على أساس أيديولوجي طائفي فلا يقف واجبه عند حد الدفاع عن إيران إنما يتخطاه إلى تعقب أعداء الثورة وتصديرها إلى الخارج..

وخلال فترة الثمانينيات قام الحرس الثوري بتأسيس ما يسمى «حزب الله» في لبنان بهدف معلن وهو مقاومة إسرائيل وبأهداف غير معلنة أهمها حماية الثورة وتصديرها من خلال العمل المسلح الذي ظهر لاحقاً في سوريا، وللحرس الثوري أذرع عسكرية في الخليج مدربة بشكل احترافي تعتبر خلايا نائمة فقط تنتظر الأوامر من طهران لبدء المرحلة التالية لتصدير الثورة.

بالعودة للمراحل والخطوات الثلاث الرئيسية لتصدير الثورة نجد أننا فعلياً في المرحلة الأولى بعد أن فتحت البوابة الشرقية «العراق» على مصراعيها لإيران ولم يتبق سوى دول الخليج..

وبمساعدة الخلايا النائمة المدربة من قبل الحرس الثوري في بعض دول الخليج، فلم يتبقّ لإيران سوى شبه الجزيرة العربية لترسيخ فكرة الدولة الإسلامية العالمية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن النظام الإيراني أصبح صديقاً ودوداً لكل الدول الاشتراكية وحتى «الشيطان الأكبر»، إذاً لم يتبق إلا الخليج.

إن ذهاب السعودية والإمارات والبحرين لليمن لم ولن يكون ذا بعد طائفي على عكس ما يتم الترويج له من قبل بعض وسائل الإعلام التابعة للنظام الإيراني، بل كان دفاعاً عن شرعية الرئيس هادي بعد أن انقلب عليه الحوثيون بدعم وتمويل مباشر من إيران، وحماية للأمن القومي الخليجي، إن من ينكر تدخل إيران في شؤون اليمن كمن ينكر شروق الشمس من الشرق..

وما تشدق بعض المسؤولين الإيرانيين عن احتلال إيران لأربع عواصم عربية عنا ببعيد، ولا ننسى تلك الصور لعبد الملك الحوثي التي ملأت شوارع طهران في استفزاز صريح لسيادة الدولة اليمنية، ولا ننسى كذلك كل الخطب التي خرج بها نصر الله مناصراً لزميله عبدالملك الحوثي ودعماً له.

بعد كل هذه الأحداث لم يكن لدول الخليج أن تقف موقف المتفرج وهي ترى الدولة اليمنية تنهار والأعلام السوداء مرفوعة في ضواحي صنعاء، دول الخليج لن ترضى بأي شكل من الأشكال أن تكون اليمن دولة محتلة من إيران تثير الاضطرابات والقلاقل في منطقة من أكثر مناطق العالم اضطراباً، وكفانا ما حدث في العراق.

 

Email