المكاسب الكبرى.. للقناة الجديدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

بالتأكيد هناك تأثيرات متوقعة لقناة السويس الجديدة على مختلف الأصعدة وفي مجالات مختلفة قد تكون اقتصادية وتجارية وتنموية وديموغرافية وجيو- سياسية وجميعها تأثيرات ممكنة ومن حيث المبدأ.

تجدر الإشارة إلى أن مصر لم تنشئ قناة جديدة - وذلك وفقا لتصريحات مسؤولين رفيعي المستوى- ولكنها أجرت تطويرا عملاقا للقناة التاريخية التي افتتحت عام 1869 بازدواج المجرى الملاحي الأصلي بحيث يمكن إبحار السفن التجارية العملاقة في الاتجاهين معا في التوقيت نفسه ليتم اختصار زمن الرحلة بأكثر من خمسين في المئة، ويعد وصف المجرى الملاحي الجديد أدق من وصف قناة السويس الجديدة لأن القناة محكومة باتفاقات على رأسها اتفاقية القسطنطينية عام 1899 التي تحدد حقوق مصرفي القناة وقواعد الملاحة الدولية فيها، وبالتالي فإن الحديث عن شق قناة جديدة قد يرتب أوضاعاً قانونية جديدة كان من الممكن أن تعطل مصر عن إتمام مشروعها الطموح.

هذا حديث مرفوض تماما فالتهوين أوالتقليل من قيمة وأهمية مشروع وإنجاز على هذا المستوى يتنافى مع أسس التقييم العلمي الموضوعي، والوجه الآخر للعملة يؤكد أيضا أن التهويل أوالمبالغة في الحديث عن قيمة الأشياء قد يأتي بنتائج عكسية. فالمجرى الملاحي الجديد بدون أدنى شك مشروع عملاق وضخم ولكن من المهم جدا أن نضعه في حجمه الحقيقي من خلال الملاحظات التالية:

أولا: إنه لم يكن ممكنا إنجاز هذا المشروع إلا بتعبئة أكثر من مئة شركة مقاولات محلية وعالمية وكتائب متخصصة من سلاح المهندسين بالقوات المسلحة المصرية، إضافة إلى استقطاب نحو 75% من "كراكات" العالم على حد تأكيد المسؤولين عن القناة.

ثانيا: من الظلم البين تحميل المشروع الجديد فوق ما يحتمل بالنسبة لدوره في دفع الاقتصاد المصري، فلا يجوز التعامل معه باعتباره مصباح علاء الدين أوالعصا السحرية التي ستنقل مصر من حال إلى حال، أوسيعالج كل مشاكلها الاقتصادية بين عشية وضحاها. فليس منتظرا أن يضاعف المشروع الجديد دخل القناة إلى حوالي 12 مليار دولار قبل عام 2020 وفقا لتوقعات المسؤولين وهو بالتأكيد رقم ليس بالهين والاقتصاد المصري في أمس الحاجة إليه حاليا ومستقبلا.

ثالثا:إن الحديث الدائم عن قناة السويس - جديدها وقديمها - باعتبارها ممرا مائيا دوليا حديث يجانبه الصواب,وأغلب الظن أنه من أخطاء الماضي التي ينبغي عدم تكرارها. فالقناة مصرية وكونها تقدم خدمات جليلة لحركة التجارة الدولية لا يعني أنها "دولية"ولكنها مصرية تلعب دورا على الصعيد العالمي، ولا يتعارض ذلك مع اتفاقية القسطنطينية التي تعطي مصر حق التصرف دفاعا عن أمنها القومي. وتجدر الإشارة هنا إلى أن وصف القناة بالدولية في مراحل تاريخية عديدة كان وبالا عليها وجر على مصر الكثير من الخراب ومظاهر الدمار.

وتاريخيا أدرك والي مصر محمد علي باشا المخاطر الاستراتيجية الجسيمة لهذا المشروع على البلاد وكيف أنه سيجعلها بؤرة لصراعات دولية خاصة بين فرنسا وبريطانيا فرفض أكثر من مرة المشروع، خاصة عندما عرضه عليه المهندس الفرنسي صاحب الفكرة فرديناند ديلسيبس ولم يستطع إتمامه إلا بعد وفاته وقد صدقت توقعاته بالنسبة للقناة.

ومن صفحات التاريخ أيضا أن الزعيم المصري الثائر أحمد عرابي توجه إلى القناة عام 1882 لردم الممر المائي الاستراتيجي لمنع الجيش البريطاني من العبور من خلاله لاحتلال مصر، ولكن المهندس الفرنسي تعهد لعرابي بعدم حدوث ذلك، وخدعه فوقعت مصر تحت الاحتلال البريطاني لمدة جاوزت السبعين عاما.

وكذلك كانت القناة سببا في العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي على مدن القناة والقاهرة عام 1956 بعد قرار تأميمها لتعود إسرائيل بعدوانها مجددا في الخامس من يونيو عام 1967 ولم تكن الملاحة في القناة بعيدة عن أسباب العدوان مما استوجب إغلاقها ثماني سنوات قبل إعادة افتتاحها عام 1975.

كل تلك الحقائق التاريخية تؤكد أهمية القناة من النواحي الاستراتيجية والاقتصادية والتجارية بما تقدم من خدمات للملاحة العالمية.

وأغلب الظن أن المشروع الجديد سيضيف المزيد من ذلك إلى مصر ومكانتها وقد يؤدي إلى انتعاشة محلية وإقليمية وعالمية إلا أن المطلوب بذل أقصى الجهود لتعظيم المكاسب من المشروعات المترتبة على هذا الإنجاز العملاق وخاصة مشروع محور تنمية قناة السويس الذي تأمل الحكومة من ورائه في تحقيق 100 مليون دولارسنويا. ولكن يبقى المكسب الأكبر هو عودة الروح لمصر واستعادتها لذاتها وقدرتها على الإنجاز في وقت قياسي بعد سنوات من التعثر والجمود.

Email