المسؤولية الأخلاقية في المشاريع التنموية

ت + ت - الحجم الطبيعي

احتوى التقرير الأخير الصادر من مؤسسة «أوكسفام انترناشونال» - منظمة إنسانية دولية غير حكومية تعمل في 90 دولة - على شواهد عدة تؤكد أن غياب المسؤولية الاخلاقية لدى مؤسسات أعمال تشارك في المشاريع التنموية ساهم في استغلال الفقراء عندما تعارضت مصالحهم مع الأغنياء والأقوياء، فقد عرض التقرير بشكل مباشر وصريح استغلال شركات انتاج الأغذية والمشروبات ذات سمعة عالمية لأراض يملكها الفقراء بلغت مساحتها الإجمالية 33 مليون هكتار في كل من البرازيل وكولمبيا والهند وإندونيسيا حيث تخلى أولئك الفقراء المحتاجون عن أراضيهم بل ومساكنهم وباعوها بثمن بخس الى شركات تزرع وتنتج السكر لصالح مؤسسات تجارية عملاقة تنتج الأغذية والمشروبات، وبين عامي 2011/2012 تعرضت شركة نايكي لصناعة الأحذية الى انتقاد دولي واسع لاستغلالها الأطفال القاصرين لأجل العمل في مصانعها لساعات طويلة وفي بيئة عمل مرهقة مقابل أجور زهيدة في كل من فيتنام وباكستان وتايوان وكوريا والصين بل إن السعي الحثيث لأجل استدامة التنمية الاقتصادية دون اعتبار محسوب للمردود الاجتماعي أدى الى بروز ممارسات بل وظواهر مشينة فكان الانسان والمجتمع هما الضحية.

لا شك أنه من الناحية التنموية ساهمت تلك المؤسسات الكبرى في دعم النمو الاقتصادي في البلدان المذكورة آنفاً إلا أنها جانبت الصواب في التزامها بمسؤولياتها الأخلاقية تجاه البشر الذين ساهموا في زيادة أرباحها ودعموا انتشارها في السوق العالمية وذلك بسبب الطمع والجشع واستغلال الضعفاء والمحتاجين.

تضمنت أجندة المؤتمر الدولي الثالث والخاص بالتمويل من أجل التنمية الذي عقد في شهر يوليو المنصرم في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا حوارات ونقاشات حول السبل الكفيلة لضمان وصول المساعدات المالية الخارجية التي تقدمها الدول الغنية الى المجتمعات الفقيرة والأشد فقراً. فعلى سبيل المثال قدم المانحون مساعدات تنموية بلغت 134 مليار دولار للقارة السوداء وقد خصص جزء كبير من هذه المساعدات لمحاربة المجاعة في تلك المجتمعات.

وعند متابعة مردود ذلك على السكان كان هناك تعتيم مقصود حول ظروف استخدامها بل ورفض مشبوه من بعض الدول للإفصاح عنها وأمام إصرار المؤسسات الكبرى المانحة وبعد البحث والتحري تبين أن 60 مليارا من تلك المساعدات استنزفت في أنشطة مالية غير مشروعة وأن المواد الغذائية والإغاثية قد تم بيعها قبل وصولها الى الجائعين والمحرومين. إن سلوكاً كهذا كان سبباً لإحجام المانحين عن إعادة تقديم الدعم في ظروف تنقصها الشفافية والمصداقية.

ومن مشاهد عدم الالتزام بالمسؤولية الأخلاقية في الجانب التنموي هو تلك الأرقام الفلكية التي تعلن عنها بعض المؤسسات والهيئات والمنظمات والتي تدعي بأنها صرفتها في مشاريع تطوير القرى والأرياف والأحياء السكنية في الدول الفقيرة ولكن واقع الحال يؤكد عكس ذلك. إن البيان الختامي لقمة السبعة الكبار الأخيرة تعهد فيها أولئك الكبار بإنقاذ 500 مليون إنسان في الدول النامية من الجوع وسوء التغذية مع حلول عام 2030 لكن البيان لم يحدد أية التزامات مالية محددة للدول المتعهدة في إنجاز هذا الرقم الكبير.

كما تعهد الكبار أيضاً بضخ 100 مليار دولار لمساعدة المجتمعات الأشد فقراً لأجل التصدي للتغييرات المناخية أو تخفيف أثرها، لكن هؤلاء الكبار لم يقدموا أية رؤية واضحة أو خطة عمل أو حتى برنامج معتمد لأجل توفير تلك الأموال، وهكذا استمر البائس الفقير فاتحاً فاه مشككاً في مصداقية بيان إخوانه الأغنياء الكبار.

إن ذلك كله مرجعه الى أمرين أساسيين الأول هو الفساد بكافة أشكاله وأنواعه والثاني هو القصور المؤسسي في جوانبه الإدارية والفنية والتشريعية، لذا كان لزاماً إيجاد آلية واقعية لمراقبة ومساءلة مؤسسات القطاع الخاص وهيئات العمل الخيري والإنساني وهكذا تأسست منظمة الشفافية الدولية في برلين عام 1993 كمؤسسة عالمية غير حكومية تعمل مع منظمات المجتمع الدولي لأجل تطوير وسائل وآليات لمكافحة الفساد. كما جاء إعلان باريس عام 2010 ليحدد مبادئ توجيهية لرصد وقياس استخدام المساعدات المالية المباشرة من قبل المانحين.

وفي الغرب بادرت بعض الدول بخلق فرق عمل متخصصة ومراقبين من صندوق النقد والبنك الدوليين اضافة الى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لمساعدتها في قياس مدى فاعلية مساعداتها الخارجية.

ولعله من أفضل الأطر والنظم المطبقة على نطاق واسع عند الدول المانحة نظام التمويل المعتمد على النتائج فمن خلال هذا النظام يتم وضع إطار قانوني يتم من خلاله توفير الأموال والموارد لأجل تمويل مشروع تنموي محدد بحسب النتائج المحققة على أرض الواقع بحيث إذا تأخرت النتائج تأخر التمويل ويتم البحث عن أسباب التأخير وحيثياته بل والتأكد من تجنب محفزات الفساد في ذات المشروع.

جدير بالذكر أن دولة الإمارات العربية المتحدة حققت المرتبة الأولى عربياً والـ25 - بين175 دولة – في مؤشر الشفافية العالمي، ذلك لما تتمتع به الدولة من نظام متقدم في الإدارة الحكومية وسيادة القانون ووجود قواعد وتشريعات حاكمة لسلوك الهيئات الفاعلة في العمل الإنساني والمؤسسات المساهمة في المشاريع التنموية كما يتم الإفصاح بشكل دوري منظم عن المشاريع التنموية والمؤسسات التي تمولها والجهات والدول المستفيدة من مبادرات الدولة الإنمائية اقليمياً ودولياً، ولعل التقرير السنوي الذي تطلقه وزارة التنمية والتعاون الدولي عن المساعدات الخارجية الإماراتية خير دليل على ذلك.

Email