بين يدي الوزير: تعليمنا بين الغاف والغويّف

ت + ت - الحجم الطبيعي

معالي وزير التربية والتعليم الأستاذ حسين الحمادي، رجل وطني وعملي مشهود له بالكفاءة وبعد النظر والتخطيط الاستراتيجي لمستقبل التعليم في الدولة.

من هنا فإننا نتمنى له التوفيق وهو يحمل على كاهله أمانة ثقيلة للارتقاء بقطاع التعليم في دولة الإمارات العربية المتحدة، خصوصاً مع دخول وزارة التربية والتعليم مرحلة تنفيذية جديدة في أعقاب إقرار مجلس الوزراء الموقر أوائل يوليو الهيكل التنظيمي الجديد للوزارة الذي يرمي لرفع كفاءة النظام التعليمي وجودته، ضمن توجهات خطة تطوير التعليم (2015-2021) وما يتصل بها من أهداف استراتيجية.

وما أصدقها كلمات سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بعد إقرار الهيكل التنظيمي الجديد، من أن تطوير التعليم في دولة الإمارات على رأس أولويات العمل الحكومي وأن الجهود مستمرة لتوفير نظام تعليمي مميز لأبنائنا وبناتنا يضمن تخريج أجيال مبدعة تحفظ للدولة مكتسباتها وتصون مقدراتها وتواصل مسيرة الريادة والازدهار.

لكن أكثر ما استوقفني في حديث سموه كان نقطتين في غاية الأهمية؛ الأولى تأكيد سموه، رعاه الله، أن التطورات المتسارعة حول العالم وما تشهده دولة الإمارات من تطورات على الصعد كلها، تقتضي نظاماً تعليمياً نوعياً من الطراز الأول يواكب مسيرة التنمية ومن ثم الارتقاء بالمدرسة الإماراتية لتكون نموذجاً تعليمياً يحتذي به عالمياً.

أما النقطة الثانية فهي تأكيد سموه أننا جميعاً؛ في هذا السياق، أمام مهمة وطنية نتحمل مسؤولية تحقيق أهدافها المتمثلة في أبناء وبنات الدولة وأجيال الإمارات المتعاقبة، وأن تحقيق هدف الوصول إلى المراكز الأولى عالمياً له متطلباته ومن بينها العمل المؤسسي المرهون برؤية استراتيجية تنبثق عنها هيكلية تنظيمية متطورة ومرنة بعيدة كل البعد عن النمطية وعن الصور المألوفة التي قد تتداخل فيها الاختصاصات والصلاحيات أو تعيق العمل والإبداع وروح المبادرة.

هذه هي رسالة صاحب السمو نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، والتي أعتقد أنها تمثل تكليفاً مباشراً للوزير الحمادي بتحمل مسؤولية قيادة الجهد الوطني التراكمي في هذا السياق، سواء على مستوى المنظومة الاتحادية للتعليم أو حتى إدارات المناطق التعليمية والهيئات المحلية. ذلك أن التحدي اليوم لا ينتهي بالمدرسة، وإنما يبدأ منها، لكنه ينتهي بالإنجاز الوطني ككل. فإذا كانت الدولة تضع ثقافة المركز الأول في مقدمة أولوياتها التنموية والوطنية، فلا يصح عندها ألا يكون النظام التعليمي قادراً على تقديم أفضل المخرجات التربوية بما يتفق مع هذه الأولويات.

ويبدو أن الوزير يدرك هذه المسؤوليات بشكل كبير، حيث يقول في كلمته أمام المنتدى العالمي للتربية 2015، إن «لدى الإمارات أهدافاً استراتيجية واضحة للسنوات المقبلة، حددتها الرؤية الثاقبة لقيادتنا الرشيدة وأكدتها السياسة العامة للتعليم، وحجم الدعم، والاهتمام البالغ الذي توليه الدولة لتنشئة وإعداد أجيال رائدة متسلحة بالعلم، والمعرفة ومهارات القرن 21، ولديها من الإمكانات ما يجعلها مبدعة وخلاقة في شتى المجالات والتخصصات»، قبل أن يؤكد حرص دولة الإمارات ممثلة في الوزارة على تحقيق التنمية المستدامة، وبناء مهارات القرن الـ 21، وتعزيز مبادئ المواطنة الإيجابية، والاستثمار في الكوادر التعليمية، والوطنية، وترسيخ مفاهيم التعليم المستدام في المجتمع المدرسي.

بيد أن أبرز ما يلفت الانتباه في منهج الوزير الحمادي لإصلاح المنظومة التعليمية تركيزه على مبدأ «التعليم لأجل المواطنة»، وهذا مبدأ نبيل ومهم يربط مخرجات التعليم بالاحتياجات الوطنية، والضرورات المجتمعية، فيما يؤهل الطالب للتعامل مع متطلبات الحياة والعمل بالكفاءة المطلوبة.

لكن هذا ليس كل شيء، فالجدول الإصلاحي يمتد ليشمل عناوين مهمة منها إدخال مفاهيم الابتكار ونشر فلسفة التميز ومضمونه في التعليم على مختلف مستوياته ومراحله. ويصاحب هذا تطوير مجتمع معرفي من خلال التعليم المستدام، وتطوير نظام شامل لضمان جودة التعليم العام بما يؤدي إلى مخرجات عالية الجودة، وإكساب الطلبة مهارات القرن الحادي والعشرين، من خلال تنويع مصادر المعرفة والتعلم القائم على أحدث التقنيات وأفضل الأساليب التعليمية إضافة إلى بناء القدرات البشرية المتخصصة، ولاسيما المعلمين وتنمية كفاياتهم الشخصية والعلمية والمهنية.

وإذا كانت هذه هي طموحات وزير التربية والتعليم الشاب حسين الحمادي، فإن التحديات التي تواجهه لا تقل شراسة. فالمعلم المطلوب تنمية كفاءاته أصبح عملة نادرة، مواطناً كان أو وافداً، خصوصاً مع تدني مرتبات المعلمين وتراجع الإقبال على هذه المهنة-الرسالة.

كما أن تحديات العصر المعرفية والثقافية والمجتمعية تفرض نفسها على المدرسة تماماً كما تفرض نفسها على البيت والمجتمع. فنحن في مجتمع يستضيف ما يقارب 200 جنسية يجدهم طالبنا في صفه وفي مدرسته تماماً مثلما يجدهم خارجها. والسؤال هنا كيف تسهم مناهجها في صيانة شخصية أبنائنا والحفاظ على هويتهم الوطنية ومعايير مواطنتهم الصالحة؟ هل حان الوقت لكي تصبح الهوية والمواطنة الصالحة والقيم الإماراتية جزءاً من منهاج التربية الوطنية؟ وإلى حد تستطيع مناهجنا تحصين أبنائنا ليس فقط ضد الفكر المتطرف وإنما ضد هذه النافذة العالمية المفتوحة من تغريب وعوامل تعرية ثقافية متعددة وهجمة شرسة للعادات الاجتماعية الوافدة عبر قنوات ناقلة عدة؟

كما أن الوزير سيجد نفسه في مرحلة قريبة أمام الضرورة الوطنية لتشريع إلزامية التعليم لمواجهة التسرب المدرسي، وهو ضرورة ملحة لمنع تسرب الطلبة وخاصة في المناطق النائية، إضافة للتوسع في تعليم الكبار والتعليم الفني.

لكن التحدي الرئيسي سيتمثل في قيادته لمسار الخطة الطموحة لتطوير التعليم خلال الأعوام 2015-2021 والتي ترتكز على الابتكار والإبداع والاستدامة في التعليم وتوفير خدمات تعليمية عالية الجودة ونشر فلسفة التميز في أوساط الطلبة وأعضاء الهيئات الإدارية والتدريسية والفنية.

وتقوم خطوات التطوير، وفقاً لما أوضحه الوزير في مناسبة سابقة، على مسارات محددة تكفل تحقيق الشمولية والتكامل في جميع العناصر التعليمية بدءاً من الموارد البشرية ومروراً بالبنية التحتية والمرافق وتكنولوجيا التعليم ووسائل التدريس الذكية والمناهج المطورة ونظم التقويم الحديثة القائمة على معايير وطنية ودولية موحدة، إلى جانب حزمة من المبادرات العلمية والأنشطة الإثرائية التي تستهدف إكساب الطلبة مهارات القرن 21 وتسليحهم بالعلوم الحديثة والمعارف المتجددة وتوسيع مداركهم العلمية وتنمية وعيهم بمتطلبات المستقبل وتحدياته، فضلاً عن استهدافها الحفاظ على لياقة الطلبة الصحية والبدنية، وقبل ذلك تعزيز مبادئ الهوية الوطنية في نفوسهم وتنشئتهم على الأصول والقيم النبيلة والصفات القيادية القويمة.

وتركز الخطة على الاتساق التام مع توجهات الدولة المستقبلية نحو علوم الفضاء والدولة الذكية وتوافقها كذلك مع رؤية الإمارات 2021 ومرتكزات الأجندة الوطنية وأهدافها، وكذلك التوجهات العالمية الحديثة لما بعد 2015.

والتمني هنا هو أن ينجح الوزير في قيادة هذا التحول التربوي المهم بسلاسة اجتماعية، بحيث يكون تجاوب المجتمع مع مخططه الطموح إيجابياً وداعماً ومشجعاً ومحفزاً، وبالحد الأدنى من الحساسيات أو الأضرار الاجتماعية المتوقعة. ذلك أن دعم المجتمع لهكذا خطة تربوية طموحة أمر أساسي ورئيسي في نجاحها وتحقيق أهدافها على المديين المتوسط والطويل.

ولا بد لنا هنا من الاعتراف بحقيقة مؤلمة وهي أن البعض ممن حاولوا الاستيلاء على وزارة التربية والتعليم في مراحل سابقة، وتسلقوا جدرانها، وعششوا في مناهجها وهياكلها التنظيمية والتعليمية، لا يزالون يقاومون محاولات التحديث والتطوير، وبإمكانهم في كل مرة أن يجدوا حجة، لذلك سيكون على معالي الوزير المشاركة في حملة وطنية لمكافحة آفة الغويّف (التربوية والتعليمية) حتى ننقذ مدارسنا ومناهجنا وطلبتنا من خطرها. وبالطبع فالحرس القديم لا يستسلم بسهولة، لذلك علينا أن نفهم خطورة محاولات التشويش والتعطيل والأفخاخ التي يطلقونها في وجه الوزير الحمادي وخططه التطويرية ولا ييأسون!

لكن، ما دمنا تحدثنا عن هؤلاء، فلا بد أن نتحدث أيضاً عن الحرس المنفلت! وأعني بهم الذين يريدون مناهج بعيدة عن أصالتنا وشخصيتنا وهويتنا وعقيدتنا، تحت شعارات شتى آخرها محاربة دعشنة التعليم! ومن قال لهم إنه يمكن محاربة داعش وغيرها من خفافيش الظلام بأفضل من التعليم الصحيح لأحكام الدين، وهل ثمة مكان أفضل من المدرسة (والمسجد طبعاً) لتعليم أحكام الدين الحنيف بشكلها الصحيح السليم؟ إذاً، كما نحذر من الحرس القديم، علينا الحذر من الحرس المنفلت.

تعتبر منظمة اليونسكو أن أبرز تحدٍ يواجه المنظومة التعليمية في الدول العربية هو غياب الإرادة السياسية من أجل النهوض بالعملية التعليمية، وبالنسبة لنا في الإمارات فإن هذا التحدي غير وارد، خصوصاً وأن القيادة السياسية تدفع وبقوة من أجل النهوض بالتعليم وإصلاحه، ولعل هذا يمثل حافزاً نموذجياً لمعالي الوزير حسين الحمادي ومن معه من تربويين مخلصين لخوض معركتهم الوطنية الجليلة باسم كل مواطن إماراتي، ودفاعاً عن كل بيت إماراتي، فالأجيال الآن أمانة في أعناقكم.

وخلاصة القول: نظامنا التعليمي، أيها السادة، شجرة غاف وطنية ضاربة الجذور، دعونا لا نترك الغويّف، بأنواعه المختلفة، يقتلها!

Email