الموجوعون!

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا شيء أكثر من الحقيقة يؤلم سيئ النية، ومن في قلبه إثم، والمثل يقول: «كاد المريب يقول خذوني»، أما الحديث الشريف فيقول: «البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس» رواه مسلم.

كان هذا هو تعليقي البسيط وأنا أشاهد الهسيتريا العنيفة، التي أصابت «البعض» منذ صدور قرار دائرة أمن الدولة بالمحكمة الاتحادية العليا في القضية المعروفة إعلامياً باسم «بوعسكور»، التي اتهم فيها ضباط أمنيون على رأس عملهم في جهاز أمن الدولة التابع لحكومة دولة ما، يفصل بيننا وبينها الكثير من المحيطات والقفار والصحارى والعصور والأزمنة والإنجازات، لكن الناس يذكروننا دائماً أنها دولة شقيقة، والأنكى أنها «جارة» أيضاً.

نحن دولة قانون، نحترم القانون ونعلي مكانته، وكذلك نحترم قضاءنا العادل وقضاتنا الأجلاء، وقبل هذا وبعده نحن قوم نفتخر بدولتنا ورموزها وشيوخها الكرام، ونحرص على تقديم كل مشاعر الاحترام لهم كونه جزءاً أساسياً من محبة شعب الإمارات للقادة الميامين، الذين لم يبخلوا على شعبهم لا بالغالي ولا بالرخيص.

ما هي حكاية بوعسكور هذا إذاً؟ دعوني أعيد رواية القضية لمن لم يتنبهوا للتفاصيل وخطورتها:

خمسة ضباط أمن دولة في (تلك الدولة) يعملون بتوجيهات من رئيس الجهاز يتفقون على إنشاء حسابات «تويتر»، باستخدام أرقام هواتف إماراتية ومجموعة معرفات تسمى «بوعسكور»، بحيث تبدو هذه الحسابات لمن لا يدري وكأنها حسابات لمواطنين إماراتيين!

ما بعد ذلك هو الأخطر وهو طبيعة ونوعية التغريدات التي يتم بثها من هذه الحسابات: لم يبق رمز من رموز دولة الإمارات إلا وأساؤوا له. ولم تبق مسألة فيها إثارة للفتنة والحساسيات داخل الإمارات إلا أثاروا، ولم تبق إهانة إلا ووجهوها للدولة وقادتها وشعبها، وكل ذلك بإشراف رئيس الجهاز في تلك الدولة، التي يحاول الناس إقناعنا بأنها شقيقة.

وكل تلك السموم يتم نفثها من حسابات تدعي أنها إماراتية، بينما هي تبث من هواتف ضباط الجهاز المعني، ولكن بشرائح إماراتية! لكن الله سبحانه وتعالى، من كرمه وفضله على هذه الدولة الحبيبة وأبنائها، من علينا بفرسان، لا بل أسود في أجهزتنا الأمنية، تمكنوا من كشف المؤامرة، وهم الذين يسهرون الليالي دفاعاً عن الإمارات وأمنها وسمعتها. كشفت المؤامرة وتم التعرف على الأرقام، التي يتم البث المسموم منها، ومن اشترى الشرائح ومتى.

وكانت الخطوة التالية القبض على أحد هؤلاء المتآمرين أثناء دخوله براً لأراضي الدولة، الذي أدلى باعترافات تفصيلية كاملة عن «خلية السموم»، التي ينتمي إليها وتم تحويله مع شركائه الفارين من وجه العدالة إلى المحكمة الاتحادية العليا وها هم الآن يأخذون جزاءهم المستحق بالأحكام النهائية التي صدرت.

نحن أمام جريمة خطرة ومركبة تختلف عن غيرها من الجرائم، وأول مصادر خطورتها أنها تأتي ممن كنا نظنهم أشقاء، فأثبتوا بالدليل القطاع أنهم بعيدون تماماً عن ذلك الوصف.

دعوني أذكركم هنا بأخلاقناً. أليس في أخلاقنا كوننا عرباً واحدة من أكثر الشتائم قسوة حين ننصف شخصاً ما بأنه فتن بين رجل وأخيه، أو بين رجل وزوجته.. فما بالكم بمن يريد أن ينشر الفتنة في البلد الآمن دولة الإمارات العربية المتحدة، ويقلب الناس على بعضها بعضاً، ويسيء لشيوخها ورموزها؟ هل تجدون في أفواهكم الآن كلمة مناسبة لتصف من يفعل ذلك؟

كما أسلفت نحن دولة قانون ومؤسسات وقضاء. لذلك من اليوم الأول لتوقيف المتهم تم التعامل مع الأمر بمنتهى الشفافية والموضوعية. وتم الإعلان عن نتائج التحقيقات كما اعترف بها بالتفصيل، وكانت جلسات المحاكمة علنية حضرتها الصحافة وغطتها، وفوق ذلك قامت الجهات المختصة بإخطار سفارة بلد المتهم لحضور المحاكمة، وغير ذلك من إجراءات.

لكن ماذا فعل «المريب»؟

لا سفارتهم حضرت، ولا خارجيتهم اعتذرت، ولا سمعنا بيان تنصل أو تهرب من الموضوع، ولا أبواقهم سكتت! وبدلاً من أن يشعروا ببعض الحياء والخجل من فعلتهم الشنيعة، انفجروا مرة واحدة في موجة شتائم ضد الإمارات مع صدور الحكم، من دون أن يقول أحد على ماذا صدر الحكم. الرد الوحيد الذي تلقيناه منهم هو الشتائم فقط.

ولا داعي أن أذكركم هنا أن الصياح والتوجع يكون على قدر الألم، خاصة من الذي يحيك الإثم في صدره وأنفاسه، ولا توجد لديه لا الجرأة ولا الرجولة للاعتراف والاعتذار بفعلته الدنيئة! ويبدو أن الضربات الثلاث التي تتالت عليهم في ثلاثة أيام متوالية أفقدتهم ما بقي لديهم من صواب!

حسناً، لو فرضنا أن الرجل بريء على سبيل المثال، ألا يستحق احتجاجاً من وزارة خارجية دولته ينفي عنه الصفة الأمنية، ويطالب بالإفراج عنه فوراً!

وحتى لو «تمرجلوا» واعترفوا بخطئه، ألا يستحق الأمر مثلاً أن يصدر بيان من جهة ما، يعتبر أن ما قام به المتهم تصرفاً فردياً لا يمثل سياستهم ويتنصلون منه ومن أعماله! لكن، لا! لا شيء! لم يصدر عنهم شيء سوى حملة الشتائم الفجائية المركزة! هل إلى هذا الحد يتوجعون، أم أن هذه طريقتهم في الإقرار بالذنب! الله أعلم!

في الدول التي تحترم نفسها عندما يقف متهم يعمل في جهازك الأمني في محكمة دولة أخرى، ويعترف بأعمال قام بها ضباط جهازك، وبإشراف رئيس الجهاز.. يتم إقالة رئيس الجهاز، لأن هذا يعني أنه فشل! حتى هذه لم يعملوها لكي يظهروا براءتهم! ماذا نفعل إذا كانوا لا يحترمون أنفسهم!

قد يقول قائل «إن هنالك مغردين إماراتيين هاجموا تلك الدولة»، وأقول لمن يقول ذلك: «انتبه يا عزيزي! كان كل المغردين الإماراتيين يستخدمون هواتفهم الإماراتية وبمعرفات إماراتية، ولم يقم أحد بتأليف حسابات بأسماء وأرقام من تلك الدولة، هذا أولاً، أما ثانياً، فنحن كنا في موقع الدفاع وليس الهجوم، ومن يعد بالذاكرة قليلاً يعرف أنهم هم من بدأوا، ونحن كنا في وضع المضطر للدفاع عن دولتنا وشيوخنا وشعبنا. لذلك هذه المقارنة ليست صحيحة، مع احترامي!

ولمن يريد أن يتذكر، تذكروا أيضاً أن كل من هاجمونا من ذلك الطرف تمت ترقيتهم، بل واختراع مناصب ووظائف لهم! نحن كوننا إماراتيين كنا ولا نزال في موضع الدفاع عن النفس: عن الدولة، وعن الشيوخ وعن الشعب وعن المكتسبات، وإذا كانوا يعتقدون أنهم سيخيفوننا بحملة الشتائم المسعورة الأخيرة، فليطمئنوا: جربتمونا من قبل ورأيتم إلى أي حد لحمنا مر! وما زال مراً!

وعند اللزوم يصبح كل إماراتي، مواطناً كان أم مقيماً، سيفاً مسلطاً على رؤوس الفتنة والغدر، الذين لا يريدون بدولتنا خيراً. جربتمونا وألجمناكم، وإن عدتم عدنا، فلن نفرط في دولتنا، ولن نفرط في شيوخنا، والبادئ أظلم!

وأولاً وأخيراً، نحن رجالها، بعون الله، «إن صكت الحلقة على البطان»!

Email