مركز محمد بن راشد للفضاء.. نقلة نوعية في التميز الوطني

ت + ت - الحجم الطبيعي

لأنه محمد بن راشد، القائد الذي عودنا دائماً أن يسبق توقعاتنا بأشواط بعيدة، لم يكن مستغرباً ولا مفاجئاً أن يطلق سموه بالأمس مركز محمد بن راشد للفضاء كمؤسسة وطنية جديدة تضيف إلى سجل الإنجازات الوطنية للدولة الأنموذج والإمارة الأكثر تميزا.

فصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، حفظه الله ورعاه، في قراره الجديد يعيد التأكيد على ريادة الدولة ليس على الصعيد الإقليمي فحسب وإنما عالميا، ولخدمة الأهداف البعيدة للإنسانية جمعاء، وهو أمر لا نستغربه ممن سخر جهوده على مدار العقود الماضية لخدمة الإنسان وتنميته حيث كان.

أليس سموه هو من أطلق مبادرة نور دبي التي عالجت ملايين الناس من أمراض العيون، أليس سموه هو صاحب مبادرة دبي العطاء التي وزعت الخير في كل مكان وصلته أيديها، أليس سموه رائد فكرة التنمية الشاملة للإنسان التي تتمحور حول التحول بالإنسان الفرد إلى إنسان معطاء منتج يجيد استخدام ما حوله من أدوات لنفع نفسه وبلاده ونفع البشرية جمعاء؟ إذن، فمن الطبيعي في ذلك كله أن يكون سموه هو نفسه من يتصدى لمهمة الريادة الإنسانية إلى الفضاء من خلال مسبار الإمارات للمريخ.

كان كل من صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، ونائبه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، قد أعلنا في بيان مشترك في 16 يوليو الماضي عن إنشاء وكالة الفضاء الإماراتية، وبدء العمل على مشروع لإرسال أول مسبار عربي وإسلامي لكوكب المريخ، بقيادة فريق عمل إماراتي في رحلة استكشافية علمية تصل للكوكب الأحمر خلال السنوات السبع المقبلة وتحديدا في العام 2021.

يومها، قال صاحب السمو نائب رئيس الدولة كلمة تستحق أن تخلّد بمداد الذهب كرسالة ولا أجمل لكل شاب إماراتي وعربي: "رغم كل ما يحدث في عالمنا العربي من توترات ونزاعات نريد أن نقول للعالم إن الإنسان العربي متى ما توفرت له الظروف المناسبة فهو قادر على تقديم إنجازات حضارية للإنسانية لأن هذه المنطقة هي منطقة حضارات وهي قادرة على تقديم إسهامات معرفية جديدة للبشرية وقدر هذه المنطقة أن تعود لصناعة الحضارة والحياة".

الآن، ها هو الشيخ الرؤيوي، والمفكر بعيد النظر، والمخطط الاستراتيجي التنموي، وصانع التحضر، صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، يضع أمام هذا الإنسان العربي تحدياً جديداً يقول له تعال وأثبت نفسك.

ولمن لا يدركون الفرق، دعوني أوضح حقيقة بسيطة هنا:

فوكالة الفضاء الإماراتية التي تأسست العام الماضي هي وكالة اتحادية مهمتها إشرافية وتنظيمية على برنامج الإمارات الفضائي وبما في ذلك مسبار المريخ وغير ذلك من برامج فضائية تشمل أنظمة الياه سات للاتصالات الفضائية، وخدمات نقل البيانات والبث التلفزيوني عبر الفضاء، إضافة إلى كل من شركة الثريا للاتصالات الفضائية المتنقلة التي تغطي ثلثي العالم ومنظومة الأقمار الصناعية دبي سات حيث يبلغ مجموع الاستثمارات الوطنية القائمة في هذه الأنظمة قبل تأسيس الوكالة أكثر من 20 مليار درهم.

ووفقا لما أمر به سموه، فسوف تتولى وكالة الفضاء الإماراتية الإشراف على جميع هذه الأنشطة وتنظمها وتطور القطاع وتعمل على نقل المعرفة اللازمة بما يدعم مكانة الإمارات كلاعب عالمي في هذا المجال ويعزز من دور تكنولوجيا الفضاء في الاقتصاد الوطني، أي إن الوكالة عملياً هي الهيئة الاتحادية لتنظيم قطاع الفضاء.

أما مركز محمد بن راشد للفضاء، الذي أصبح الآن الخلف القانوني والفعلي لمؤسسة الإمارات للعلوم والتقنية المتقدمة – إياست – فهو العقل المدبر لصناعة الفضاء الإماراتية، حيث يعمل في الأبحاث والتصنيع والتصميم، وهو الذي كان قد حقق (من خلال إياست) إنجاز تصنيع أقمار دبي سات وخليفة سات بأيدٍ إماراتية، وها هو الآن يتولى مهمة تصميم وتصنيع مسبار الإمارات للمريخ والإشراف الفني والتقني الكامل على هذه الرحلة.

ولعل قرار صاحب السمو نائب رئيس الدولة واضح جدا في هذا المجال حيث نص على أن يعمل مركز محمد بن راشد للفضاء على الأبحاث والمشاريع والدراسات المتعلقة بعلوم الفضاء بما يدعم توجهات دولة الإمارات في دعم هذا القطاع وتكوين كفاءات علمية وطنية ومعرفية من خلاله.

كما سيعمل المركز، وفقاً للقرار، على الإعداد والتنفيذ والإشراف على كافة مراحل إرسال مسبار الإمارات لاستكشاف كوكب المريخ، وكذلك المشاريع المتعلقة بعلوم وتطبيقات الأقمار الصناعية وكافة المشاريع التخصصية ومشاريع التقنية المتقدمة التي يكلف بها من الجهات المعنية.

إذن ماذا يعني هذا؟ معناه باختصار أننا لن نذهب للتسوق في عاصمة أوروبية أو آسيوية تصمم لنا المسبار وتطليه بألواننا المفضلة وترسله نيابة عنا. لا، بل نحن من سيقوم بالبحوث، ومن سيقوم بالتصميم والتصنيع، وبالإشراف الفني واستخلاص النتائج والاستفادة منها، وكل ذلك بكفاءات هندسية وفيزيائية وعلمية إماراتية متمكنة أثبتت كفاءتها ومعرفتها. وهذا الأمر في غاية الأهمية لأن البحث العلمي التطبيقي بهذا المستوى الفني الرفيع هو أحد أهم الخطوات الأساسية لتحضر المجتمعات وانتقالها إلى مصاف الدول المتقدمة أو ما يعرف بدول العالم الأول.

وما يعنيه صاحب السمو بخطوته هذه أننا كدولة وكمجتمع وكمؤسسات نقفز إلى الأمام قفزة مهمة على صعيد إنتاج العلم والتقنية والمعرفة البشرية بحيث لم نعد مجرد متلقين ومستخدمين، بل منتجين للمعرفة الإنسانية وضمن أكثر الموضوعات تخصصا وتعقيدا، ومشاركين أساسيين في خطوات استكشاف مستقبل العالم والإنسانية جمعاء، وهذا كله يلقي على كاهلنا مسؤولية جديدة، لأننا باختصار ننتقل بهذه الخطوة إلى مرحلة جديدة في حياتنا ربما لا نشعر بها اليوم ولكنها ستبدأ بالتشكل مع كل كيلومتر يقطعه مسبار الإمارات في اتجاه المريخ.

لذلك اسمحوا أن أقول لكم بكل صراحة، يا جماعة! صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حفظه الله ورعاه، يقول لكم باختصار: لقد أصبحت الإمارات رسمياً دولة من دول العالم الأول، فهل أنتم جاهزون لهذه المسؤولية الوطنية والإنسانية وانعكاساتها الاجتماعية والعلمية والاقتصادية؟

 

 

Email