أنا أو الدمار!

ت + ت - الحجم الطبيعي

من مسرح الحرب المستجدة في اليمن، يلوح سؤال لا يتردد كثيرا حول الدور الذي لعبه الرئيس السابق علي عبدالله صالح منذ تنحيه عن السلطة في 2012 وإسهامه في تدهور الاوضاع فيها على مدى العامين الماضيين حتى اندلاع هذه الحرب اليوم في اليمن.

إن السؤال لربما لا يهدف الى استقصاء تفاصيل هذا الدور ويومياته والتحالفات التي عقدها صالح، لكنه يحوم حول هذا «التشبث المرضي بالسلطة» الذي يقدم صالح أحدث نماذجه العربية. تشبث مرضي يجعل رؤساء مثل بشار الاسد في سوريا والراحلين صدام حسين ومعمر القذافي يربطون مصير بلد وشعب بأكمله بأشخاصهم في معادلة عدمية تماما: «إما أنا أو الدمار».

لقد قضى صالح نحو 32 عاما في السلطة صنع خلالها لنفسه وعائلته ثروة طائلة تقدر بالمليارات. وأنفق اموالا طائلة على شراء ولاء وذمم وحدات من قوات الجيش اليمني عبر التدريب والهبات والعطايا فكانت النتيجة انقسام جيش البلاد إلى موالين له وهو خارج السلطة وإلى موالين للحكومة التي يقودها خلفه عبدربه منصور هادي. يطرح هذا تساؤلات عن الكيفية التي ينظر بها رؤساء مثل علي صالح لا إلى السلطة نفسها بل إلى مؤسسات هذه السلطة ومسؤوليتهم حيال الدولة ومؤسساتها وشعبها.

واذا كانت ازمة اليمن التاريخية هي ضعف الدولة لحساب القبائل، فإن علي صالح لم يقدم نموذجاً أفضل هنا بل تعامل مع الدولة ومؤسساتها على انها قبيلة ايضا فلم يتردد في شراء ولاءات افراد مؤسساتها وعلى رأسها الجيش. على هذا، يرتبط الحديث عن الجيش اليمني دوما بهوية جنود وحداته، من هذه القبيلة أو تلك. الامر نفسه، كان في العراق إبان عهد الرئيس الاسبق صدام حسين، فرغم الضجيج عن الحداثة، جرى التركيز على الولاء العشائري لأفراد الجيش للنظام ولشخص الرئيس تحديدا ومن ثم كان يتم انتقاؤهم من العشائر الاكثر ولاءً.

هكذا ترددت اسماء العشائر في تركيبة الجيش العراقي السابق ما بين الجبور والدليم وعشائر تكريت والفلوجه والرمادي. لم يتغير الامر بعد سقوط صدام حسين وجاء الامريكيون ليرتكبوا اكبر خطأ/مقصود (من وجهة نظري) بحل الجيش السابق معتبرين انه جيش صدام حسين وسعوا الى بناء جيش جديد. لكن الجيش الجديد لم يسلم من المعايير التي تضعف المؤسسة لحساب الولاءات الشخصية، فطبيعة التجنيد اختلفت الآن فأصبحت طائفية اكثر منها عشائرية.

لم يختلف الأمر في ليبيا، وحدات كاملة من الجيش اختزلت في كتائب من المرتزقة تدافع عن رأس النظام وعائلته والمقربين منه. بعد سقوط رأس النظام تلاشى هذا الجيش تماماً.

لقد واجه الجيش اليمني منذ قيام الجمهورية عام 1962 اوضاعا متقلبة سياسياً وتحركت منه انقلابات عدة، لكنه لم يتفتت ولم ينقسم ولم يعمد الرؤساء اليمنيون المتعاقبون إلى اضعاف هذا الجيش تحت أي ظرف، إلا في العهد الطويل لعلي صالح على النحو الذي نرى آثاره وتبعاته اليوم، فبأي مقياس هنا يمكن الحكم على مسؤولية علي عبدالله صالح اكثر من الانانية المفرطة والمرضية الى حد التضحية بالجيش نفسه وبالشعب والدولة التي يفترض ان يحميهما هذا الجيش.

واذا كان صدام حسين ومعمر القذافي قد طبقا المعادلة المميتة «إما أنا أو الدمار» في رفضهما أي نوع من التسويات التي قد تخرجهما من السلطة، تماما مثلما يقوم به الرئيس السوري بشار الأسد، فإن صالح برهن على طور متقدم من هذه المعادلة العدمية عبر التخطيط طيلة الفترة التي اعقبت خروجه من الرئاسة للعودة إلى السلطة لا بشخصه بل بشخص نجله.

تحالفه مع الحوثيين الذين خاض ضدهم حروبا مريرة منذ عام 2003 وحتى خروجه من السلطة في 2012 لا يكشف عن اغراق في الميكيافيلية فحسب، بل عن انحراف في السوية وهوس مرضي بالسلطة ولربما نزعة انتقام لا تقيم اي وزن للشعب وللبلد ومؤسساته ومكتسباته وتوق هذا الشعب الى الحياة الكريمة وحاجة البلد للاستقرار.

لقد كان جنود الوحدات العسكرية الموالية لصالح هم الذين يقودون الدبابات التي تتقدم طلائع الحوثيين في تمددهم في مدن اليمن، وكانت معسكرات هذه الوحدات تفتح أبوابها طواعية لمليشيا الحوثيين ويقوم جنودها بمساعدتهم في السيطرة على المدن، في سلوك يعيد للنقاش معضلة «المؤسسة والفرد» في مجتمعاتنا على اكثر من مستوى، الفرد المواطن والفرد الحاكم والمسؤول عموماً.

على علماء النفس ان يحاولوا تفسير هذا السلوك المرضي (لدى أربعة رؤساء عرب على الاقل حتى الآن) الذي يربط مصير بلد بكل مؤسساته وشعبه بشخصه فقط.

Email