عودة الدفء إلى العلاقات الخليجية

ت + ت - الحجم الطبيعي

في فبراير من هذا العام يدخل مجلس التعاون الخليجي عامه الرابع والثلاثين. هذا الامر يدعونا لمراجعة مسيرة المجلس منذ أن انبثق في ابوظبي عام 1981 وحتى الوقت الحاضر. هذه المراجعة مطلوبة بين وقت وآخر لمعرفة الايجابيات وتدارك السلبيات، خاصة وأن المجلس يعد أنموذجا متميزا للتكتلات الاقليمية والدولية.

قدم المجلس خلال مسيرته الطويلة، أنموذجا مغايرا للعلاقات بين الدول كما تعكسها طبيعة مجتمعات الخليج. مراجعة لمسيرة المجلس تظهر لنا إنجازات هذه المنظومة، ومعوقات العمل الخليجي المشترك والمطبات التي صادفت تلك المسيرة، والآمال الكبار المعقودة عليه. ففي عام 2014 شهد مجلس التعاون الخليجي الازمة الاعمق في تاريخه، تلك الازمة التي سببت الكثير من الهواجس والقلق، ليس فقط لدول المجلس ولكن لشعوبها أيضا، ولكن قبل نهاية ذلك العام استطاعت دول المجلس بالدبلوماسية الجادة التي أظهرها الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز وقادة الخليج الآخرون، طي صفحة الخلاف وفتح صفحة جديدة في العلاقات الخليجية - الخليجية. فقد تكللت القمة التي عقدت بالدوحة في شهر ديسمبر 2014 بالنجاح، وعاد الدفء ليكسو العلاقات الخليجية مجددا.

عودة الدفء مؤشر آخر على أن دول الخليج لا يمكنها البقاء خارج المنظومة الخليجية كثيرا، كما تدل على أن المجلس ليس فقط منظومة سياسية وأمنية، بل منظومة اقتصادية واجتماعية.

فما يحتم بقاء المجلس ليس فقط تلك الهواجس الامنية والاقتصادية التي تتعرض لها المنطقة، بل تلك الرغبات الروحية لأهل المنطقة وتطلعاتهم التاريخية في أن يروا تلك المنظومة تتطور وتتبلور إلى وحدة حقيقية.

فدول المجلس تمتلك قدرا وافرا من عناصر التناغم والانسجام الذي يؤهلها لتحقيق تلك الوحدة، فهي أقدر من الاتحاد الاوروبي والافريقي والآسيان وحتى الجامعة العربية، من حيث امتلاكها لمجموعة من العناصر الفاعلة التي تؤهلها لوحدة حقيقية فاعلة في محيطها الاقليمي والعربي.

دول الخليج تدرك أكثر من غيرها أنه لا مفر من البقاء داخل هذه المنظومة وإبقائها قوية ومتماسكة، فهي قدرها الذي لا مناص منه والذي من خلاله يمكن مجابهة العديد من القضايا المصيرية المشتركة.

فعدد سكان الخليج يصل إلى حوالي 47 مليونا، ويشكل المواطنون في هذه الدول اقلية. فالمواطنون في الإمارات مثلا يصل تعدادهم إلى 10-16% من إجمالي السكان الذي يقدر ما بين 8-10 ملايين نسمة، كما أن باقي دول المجلس تعاني من نفس المشكلة وبنسب متفاوتة.

وبالإضافة إلى قضية التركيبة السكانية، تقف دول الخليج أمام قضايا مصيرية أخرى، مثل تدني اسعار البترول والتنمية المستدامة والامن المشترك وقضايا الارهاب العابر للحدود، وغيرها من القضايا التي تتطلب تضافر الجهود والوقوف صفا واحدا لمواجهتها.

من ناحية أخرى تتطلب قضايا التنمية الاقتصادية في دول المجلس، المشاركة في الرأي، مع الاخذ في الاعتبار ظروف كل دولة. ويمكن القول بأن دول المجلس لم تصل إلى ما وصلت اليه لأنها متعاونة فقط، بل ولأنها متنافسة مع غيرها من الدول في الوصول إلى افضل المراتب مقارنة بمحيطها العربي وجوارها الاقليمي.

هنالك عوامل تدفع دول الخليج أكثر فأكثر نحو العمل المشترك داخل المنظومة الخليجية، فتأثيرات الربيع العربي ما زالت ترمي بآثارها على دول المجلس. فلقد أيقظت الاحداث التي جرت منذ 2010، مطلب الوحدة على الرغم من كل التحديات التي تواجه مثل هذا المطلب. فالهاجس الامني الذي تواجهه دول المجلس يعد من أكثر الهواجس التي تدفعها نحو تفعيل البند الرابع من اتفاقية مجلس التعاون، وهو الوصول إلى الوحدة الشاملة.

بالإضافة إلى ذلك، فالأوضاع الاقتصادية في العالم ككل تدفع هذه الدول والتي يبلغ مجموع الناتج الاجمالي لها حوالي 1.6 تريليون دولار، ليصل إلى حوالي 59% من الناتج الاجمالي العربي، الذي يصل إلى 2.7 تريليون دولار، إلى التعاون الاقتصادي المشترك والذي يلبي طموحات شعوب دول الخليج في تنمية شاملة ومستدامة. كل تلك العوامل تثبت في النهاية ان مجلس التعاون هو قدر هذه المنطقة، وانه لا مناص من إبقاء هذه المنظمة حيوية وقوية ومتماسكة، وقادرة على أداء دورها الذي اختط لها.

إن أبناء الخليج يتطلعون دوما إلى منظومة خليجية اقوى من ذي قبل، وقادرة على تلبية طموحات شعوب الخليج وحماية أمنهم واستقرارهم، في ظل تلك التحديات المتعاقبة التي يشهدها اقليم الخليج.

وهم في هذا قد أوكلوا المهمة لحكومات المنطقة، والتي بلا شك تبذل اقصى طاقاتها للعمل الخليجي المشترك والفعال والذي يكلل في النهاية بالنجاح. ومما لا شك فيه أن جميع الانظمة الخليجية لديها الرغبة والاقتناع التام بأن الهدف الرئيس لها، هو العمل يدا بيد على ازالة كل المعوقات من طريق المسيرة الخليجية، حتى تتلاقى الرؤي وتتفق الآراء ويكون مجلس التعاون عنوانا للوحدة الخليجية.

Email