استغلال المرأة في الفكر التكفيري

ت + ت - الحجم الطبيعي

كرّم الإسلام المرأة ورفع من قيمتها وأعلى من شأنها عندما أزال كل رواسب الجاهلية عنها وحرم وئد البنات وحرمان المرأة من حقوقها الشرعية وجعلها شريكة للرجل في كل ميادين الحياة بدءاً من الجهاد في سبيل الله وحتى الحقوق المدنية والإنسانية. ولو تمعنا في آيات القران الكريم لوجدنا ان الكثير منها تحث على احترام المرأة وهناك سورة كاملة هي سورة "النساء" تشرح حقوق المرأة وإرثها.

كرم الإسلام المرأة صغيرة عندما جعلها تفتح باب الرزق لوالدها، وكرمها أنثى ناضجة عندما جعلها تكمل للرجل نصف دينه وكرمها كأم عندما جعل الجنة تحت أقدامها، وكرمها كانسان عندما جعل الرفق بها من العمل الخير الذي يجازى عليه الإنسان.

تعاليم الإسلام كانت للمسلمين نبراسا عبر القرون ولكن هذا لا يعني أن البعض لم يخالف تعاليم الإسلام ويسيء للمرأة إما عن طريق ظلمها في حقوقها الشرعية والإنسانية وإما عن طريق استغلالها في تحقيق غايات ومصالح سياسية وأيديولوجية ضيقة.

الناظر إلى وضع المرأة المسلمة في وقتنا هذا يرى أن هناك تفاوتاً كبيراً في وضعها الاجتماعي من مجتمع لآخر بل من تيار فكري لآخر. فالمرأة في نظر الكثير من التيارات الفكرية هي عاكس مهم لنظريات وفلسفات تلك التيارات بوصف المرأة ناقلاً مهماً للثقافة الاجتماعية ومؤثر على تربية أجيال المستقبل.

وبينما عملت الكثير من المجتمعات الإسلامية على إصدار التشريعات التي تحمي حقوق المرأة وتساعد على تمكينها ودمجها في المجتمع دمجا كاملا عملت بعض التيارات الفكرية المتشددة على استغلال المرأة وتطويعها لخدمة أغراض أيديولوجية وسياسية وفكرية ضيقة.

وقد شهدت العقود الماضية تزايدا كبيرا في استغلال المرأة في ساحات القتال بدءاً من استغلالها كانتحارية وانتهاء باستغلالها جسدها فيما عرف بجهاد النكاح. هذه الأفكار التي عفا عليها الزمان عادت لتطفو على السطح من جديد مؤخرا بسبب الترويج لها وإظهارها على أنها أفكار نابعة من الإسلام رغم أنها بعيدة كل البعد عن تعاليم ووصايا الإسلام.

فتلك التيارات المتشددة والمتطرفة تلجأ لاستغلال المرأة لأنها تدرك جيدا أن المرأة لن تجذب الانتباه كما يجذبه الرجل بحكم أن العنف والتطرف والترويج للكراهية هي صفات بعيدة عن طبيعة المرأة التي جبلت على الحنان والعاطفة. كما تدرك تلك التيارات بأن استخدام المرأة أيديولوجيا وعسكريا لن يثير الانتباه كما يثيره الرجل وبالتالي لن يشك بها أحد.

حوادث كثيرة حدثت مؤخرا كانت مرتكبتها امرأة، الأمر الذي يثير الاهتمام ويدعو لدراسة الأسباب التي تدعو المرأة إلى الانخراط في مثل هذه الأفعال العنيفة التي تحتاج إلى قوة جسدية أحيانا وتركيز كبير قد لا يؤتي المرأة في مثل تلك الظروف.

هناك مجتمعات لم تعرف العنف من قبل وظهر فيها مؤخرا من يمارس هذه الأفعال ويدعو لها. الزج بالمرأة في مثل هذه المواقف التي تستجلب الدهشة تدعونا لدراسة الأسباب النفسية والمجتمعية والفكرية التي تدفع بالمرأة إلى المشاركة في مثل هذه الأفعال. الأسباب كثيرة ومتعددة وقد يكون منها الظلم الذي تحسه المرأة من جراء حرمانها من حقوقها لقرون طويلة.

فإحساس المرأة بأن المشاركة في مثل هذه الأفعال يعيد لها ثقتها ويجعلها تحس بأنها تستطيع التأثير على الأحداث من حولها الأمر الذي يجعل منها لاعباً مؤثراً. ولكن قد يكون اهم الاسباب هو اقتناع المرأة بأن ما تفعله يدخلها الجنة بوصفه واجبا يكافئ عليه الدين.

هذا السبب بالتحديد هو ما دفع مئات من النساء المسلمات إلى المشاركة في أفكار التيارات الدينية المتشددة والمتطرفة إما "كمجاهدة في سبيل الله" كانتحارية ومنفذة لجرائم قتل وتدمير وإرهاب وإما كعامل مساعد للتخفيف عن "المجاهدين" في ساحات القتال فيما يعرف بجهاد النكاح.

 أعداد النساء اللواتي شاركن في هذا النوع من الجهاد تثير الشفقة أحيانا والهواجس والخوف أحيانا اخرى؛ الشفقة من أن تستغل المرأة هذا الاستغلال البشع لتحقيق غايات سياسية لأطراف وتيارات لا يهمها شيء سوى مصالحها الضيقة، والخوف من أن تكون المرأة قد وقعت ضحية لابتزاز فكري قد يؤثر مستقبلا على الكثير من مجتمعاتنا المعاصرة.

أمام هذه الابتزاز والاستغلال الفكري لا يسع المجتمعات المسلمة إلا التوعية أولا بخطر تلك التيارات المتشددة ثم تقديم كافة أشكال الدعم للمرأة عن طريق إشراكها ودمجها في الحياة العامة. بهذا تكون المجتمعات المسلمة قد حمت المرأة من الوقوع ضحية في براثن التيارات الفكرية المتشددة.

 

Email