«باجر دوام»

ت + ت - الحجم الطبيعي

«باجر دوام !!» بمجرد سماع هذه الكلمات تعبس الوجوه ويضيق الصدر وتبدأ الكوابيس في الظهور!!

مع نهاية سنة وبداية أخرى تقوم الكثير من المؤسسات في تقييم الموظفين وعمل الاستبيانات لقياس الرضا الوظيفي والولاء المؤسسي. أحد مصادر قلق الموظفين المزمنة هي ساعات العمل الطويلة وفقدان التوازن بين العمل والمنزل.

كثيرون يعملون لساعات طويلة وكأنهم يحاولون إنهاء العمل بشكل نهائي، لكن العمل دورة حياة لا تنتهي، مثل التعلم وتحصيل المعرفة، ومثل الجوع والحاجة للراحة والنوم بعد يوم من التعب والإرهاق.

وللأسف الشركات الكبرى تغض النظر وتشجع ضمناً موظفيها للعمل ساعات أطول، وتضرب عرض الحائط بصحة الموظفين وقوانين العمل التي تكفل حقوق العاملين الصحية والنفسية والمادية، ويتحايل الكثير من الشركات على تعويضات ساعات العمل الإضافي أو المكافآت، ما يدفعنا للتساؤل: هل نحن نعمل من أجل أن نعيش أم أننا أصبحنا نعيش من أجل أن نعمل؟

ينص قانون العمل الإماراتي على 8 ساعات عمل يومياً أو 48 ساعة أسبوعيا، ويجوز تمديد هذه الساعات إلى 9 يومياً بقرار من وزير العمل، وفي حال العمل الإضافي يجب دفع بدل 25% عن كل ساعة بحسب الراتب الأساسي، و50% إضافية لكل من يعمل يوم الجمعة، وأي خرق لهذا القانون يعرض جهة العمل لمخالفة قانونية.

هذا القانون مستمد من اتفاقية العمل الدولية، لكن السؤال: ما الهدف من تحديد ساعات العمل اليومية بالقانون؟ والجواب طبعاً، الحد من استغلال العاملين مادياً ومعنوياً حتى لا يتحول العمل إلى نوع من السخرة والاستعباد.

لكن هل تسديد تعويضات ومكافآت يكفي ليحل المشكلة؟ بالطبع لا، لأن صحة العاملين خاصة أثناء تأديتهم لأعمالهم، صارت على المحك رغم الحوافز المالية الباهظة التي تلجأ لها الشركات العابرة للقارات، أو حتى اللعب على وتر محافظة العاملين على وظائفهم في زمن صارت البطالة نتيجة مباشرة لتعثر الاقتصاد العالمي.

أين تقع الحدود الفاصلة التي تمكننا من أداء واجباتنا تجاه جهة العمل، دون التفريط في صحتنا أو حقوقنا المادية والمعنوية والأهم بحياتنا التي نعيشها مرة واحدة فقط؟

بينت دراسة أعدتها إحدى شركات الاستشارة في المنطقة، أن أكثر من 40% من العاملين في دول الخليج يعملون بمعدل 9 - 11 ساعة يومياً مقابل 38% عالمياً، بينما يحمل 31% من هؤلاء العاملين أعمالهم إلى بيوتهم بمعدل 3 مرات أسبوعيا مقابل 43% عالميا، وكشفت الدراسة عن وجود ضبابية في الخط الفاصل بين وقت العمل ووقت المنزل، مما يعرض هؤلاء لمشاكل صحية عديدة، على رأسها أمراض القلب والصداع والتوتر والاكتئاب وشعور مزمن بالسخط والاستياء.

صحيح أن العمل عبادة، لكن «كل شيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده»، خاصة أن دراسة بريطانية أكدت أن القدرات الاستنتاجية للعاملين تنخفض بقوة بعد 5 سنوات من العمل لأكثر من 55 ساعة أسبوعياً، وتسبب انخفاض مستوى الذكاء مقارنة بمن يعملون بمعدل 35-40 ساعة أسبوعيا.

إذن ماهي الحلول في زمن التنافسية والسباق المحموم لتحقيق المراكز الأولى ؟

أول الحلول إعادة ترتيب الأولويات بين الأمور المهمة والطارئة. اتقان مهارة «ليس كل عمل طارئ هو مهم والعكس» له أثر إيجابي كبير في توفير الوقت وزيادة الإنتاجية. وهو سيعطي للموظف مساحة يومية كافية للدخول في أنشطة ترويحية أخرى.

ثاني الحلول هو العمل التطوعي. فهو يساعد في إعادة البناء لخلايا الروح، وله مفعول السحر في إعادة شحن الطاقة الإيجابية، والتي بدورها تمتص صدمات العمل الإضافي.

لكن في اعتقادي أن من أهم الحلول وجود علاقة صحية بين الموظف والمدير. طبعا سيقول القائل هذا من سابع المستحيلات وخصوصاً إذا كان المدير من فئة الذين يعضون على المناصب بالنواجذ!! هنا يأتي دور القيادة العليا في نشر ثقافة الشفافية واحترام اختلاف وجهات النظر بين الموظف ومديره وعدم شخصنة المواقف. والنتيجة تناغم إيجابي بين أفراد فريق العمل وإنجاز المشاريع في وقتها بدون ساعات إضافية.

ومما لا شك فيه أن التزامنا بحديث الرسول صلوات الله وسلامه عليه، سيجعل من الـ8 ساعات كافية، حيث يقول نبي الرحمة «إذا عمل أحدكم عملاً فليتقنه».

تمنياتي للجميع بعام مليء بالعمل الايجابي والنجاح الاستثنائي!!

 

Email