الأسرة العربية وتحديات العولمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

جاء الإعلان عن يوم عربي للأسرة، ليجسد الدور المهم الذي تسهم به الأسرة في حياة المجتمع، أي مجتمع، باعتبارها النواة التي يتخلق منها، وإدراكاً لأهمية الوظائف المجتمعية التي تؤديها الأسرة.. ولعل من أهمها عملية التنشئة الاجتماعية، التي يكتسب فيها الفرد مجموعة من القيم والعادات والتقاليد السائدة في المجتمع، حتى تتجدد معها وبها شخصيته في سياق الثقافة الكلية السائدة في المجتمع.

ولقد أقر مجلس وزراء الشؤون الاجتماعية للدول العربية، تحديد السابع من ديسمبر من كل عام ليكون يوماً عربياً للأسرة، وذلك عوضاً عن اليوم العالمي للأسرة في ‬15 مايو؛ لأنه يصادف يوم إعلان دولة إسرائيل.

والمعلوم أن السابع من ديسمبر يصادف يوم انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، وقد توافقت إدارة جامعة الدول العربية مع اقتراح المؤتمر العربي لحقوق الأسرة، فصدر القرار رقم ‬230 في الدورة الرابعة عشرة لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية للدول العربية، بناء على تقرير المكتب التنفيذي في دورته الـ‬28، وهكذا باشرت كل الدول العربية الاحتفال بهذه المناسبة المهمة.

إن الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت قد جعلت عام ‬1994 سنة دولية للأسرة، وفي ذلك اعتراف من المجتمع الدولي بأهمية الأسرة ومكانتها في الحفاظ على تماسك المجتمعات الإنسانية، لضمان استقرارها وبقائها، خصوصاً وأن إدارة المرأة والأسرة والطفل في جامعة الدول العربية، درجت على تحديد موضوع محوري كشعار للاحتفال السنوي بهذه المناسبة، حتى يزيد اهتمام الرأي العام العربي والمسؤولين ومخططي السياسات الاجتماعية، بأي من القضايا المحورية ذات العلاقة بماضي أو حاضر أو مستقبل الأسرة العربية، ومن أهمها حقوق الأسرة العربية ممثلة في المرأة والطفل.

إن احتفال الدول العربية مجتمعة بيوم الأسرة، ينطوي على اعتراف صريح بأهميتها، كما يجسد تلاحم وانتظام الدول العربية والتفافها حول الأسرة، إدراكاً لأهمية الوظائف البيولوجية والاقتصادية والاجتماعية التي تعزز مكانة الأسرة في المجتمع.

فالأسرة بجميع المقاييس، تعتبر خط الدفاع الأول لحماية المجتمع من كافة العوامل التي تهدد أمنه واستقراره، فإذا انهار البناء الأسري فإن البناء الاجتماعي Social structure سيصاب بالتفكك.

اللافت للنظر أن دولاً عربية عدة سارعت في إنشاء هيئات أو مجالس للأسرة، يناط بها تكثيف المزيج من الجهود لتمكين الأسرة من القيام بوظائفها، في إطار السياسات الرامية إلى تحقيق أهداف التنمية الاجتماعية، والسبيل الأمثل هو أن تقام الندوات والمحاضرات وورش العمل، خصوصاً في المدارس والجمعيات والأندية الاجتماعية، لتذكير الناس بأهمية الأسرة ودورها المجتمعي، لأن جهوداً كبيرة لا بد أن تبذل لإجراء البحوث والدراسات المعمقة عن قضايا الأسرة، فنحن نعيش عصر التحولات والتحديات الكبرى منذ بزوغ فجر الألفية الجديدة، في عالم أصبح قرية خالية من الحدود الجغرافية.

ورياح العولمة وتداعياتها، جرّت معها سلسلة من التغيرات الاجتماعية، خصوصاً في عصر الفضاء المفتوح وانتشار شبكات التواصل الاجتماعي وتدفق القنوات الفضائية.

وتأثير الإعلام بمختلف وسائطه؛ المقروء والمسموع والمرئي، كلها مؤثرات أخذت تلقي بثقلها على الأسرة، فأصبحت الأسرة العربية في مواجهة حقيقية مع سيل من التحديات التي لحقت بمنظومة القيم والعادات والتقاليد العربية والإسلامية، مما زاد من المشكلات الأسرية؛ كالتفكك والتشرذم الأسري، خصوصاً بعد أن تقلص دور الأسرة الكبيرة «الممتدة» والتي يعيش في كنفها الأجداد والأبناء والأحفاد «تحت سقف واحد»، إذ أخذت «الأسرة النواة» تحل محلها، مما فتح الباب على مصراعيه لغرباء صاروا يقيمون ويعملون داخل الأسرة، بل وأصبحوا يديرون شؤونها!

وعندما يطالب العديد من المختصين بالاحتفال بيوم الأسرة العربية، إنما يطالبون كافة الجهات المعنية لأن تدق ناقوس الخطر للتذكير بالمخاطر التي باتت تهدد مستقبل أسرنا ونحن في غفلة، ومن ثم، فالضرورة تحتم إعادة النظر ومراجعة التشريعات الاجتماعية المعنية بالأسرة والمرأة والطفل، وتفعيل الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة، عبر بناء شراكات مع الجمعيات المحلية والإقليمية والدولية.

حتى يمكننا أن نتصدى للعديد من الوقائع والظواهر والمشكلات الاجتماعية التي تهدد الأسرة العربية، كانتشار معدلات الطلاق، والعزوف عن الإنجاب، والعنوسة، وانحراف الأحداث، والتسيب والتميع الخلقي، الذي يتسبب في اختلال خصوصية النوع الاجتماعي.

نحن مطالبون بالوقوف أيضاً ضد الدعاوى التي تنادي بالمثلية الجنسية، وإلغاء الأسرة أو تحجيم دورها الاجتماعي، وهي توجهات انتشرت في العديد من الدول الغربية، ولفتت لها الأنظار منظمة الأسرة العالمية (WFO) في أحد مؤتمراتها التي عقدت في باريس مقر المنظمة.

وبالرغم من أن بعض الدول العربية تحتفل بالأسرة على المستوى الوطني، وذلك لمناقشة القضايا الأسرية محلياً والتوعية بأهمية الأسرة ودورها وطنياً، إلا أن ذلك يجب أن لا يعني بأي حال من الأحوال التقاعس والإهمال للاحتفال العربي الذي يمثل وحدة الأسرة العربية، ويكرس المنظور الثقافي العربي الشامل للأسرة العربية، والعمل العربي المشترك الموحد في هذا المجال الاجتماعي الحيوي.

فالأسرة نواة المجتمع العربي واللبنة الأساسية للبناء الاجتماعي والثقافي العربي، ولا بديل لذلك أبداً.

إن الاهتمام بيوم الأسرة العربية ما هو إلا لأهمية إعادة صياغة استراتيجية أسرية عربية، على نحو يساعدنا جميعاً على رصد كافة المتغيرات التي تلتف حول الأسرة وتعمل على تهديد كيانها وتفككها، لأن الأسرة كما سبقت الإشارة، تمثل خط الدفاع الأول لحماية المجتمع، فإذا أصابها التفكك فإن المجتمع بأسره يكون عرضة للانهيار.

إن الإبقاء على أسرة عربية متماسكة، يعد الضمان الأساسي للإبقاء على مجتمع آمن ومستقر، في بيئة عربية آمنة مستقرة.

 

Email