مجلس التعاون والآمال المعقودة

ت + ت - الحجم الطبيعي

تنفست شعوب الخليج الصعداء بإعلان نتائج قمة الرياض الأخيرة. فقد نجح مجلس التعاون في اجتياز واحداً من أهم العوائق التي وقفت في طريق استمرارية العمل الخليجي الموحد منذ بداية ثورات الربيع العربي.

مجلس التعاون كان أمام اختبار قاسٍ. فقد كان يواجه عائقاً كبيراً وقف كحجر عثرة في الطريق نحو التكامل والتنسيق الذي اختطته دول الخليج لنفسها منذ ولادة المجلس. ولكن مرة أخرى تجتمع العقول والقلوب وتتغلب المصالح العامة على المصالح الضيقة لحماية هذا المنجز الذي اجتهد في إقامته وتثبيت أسسه قادة كبار عملوا بجهد وصبر، قادة حرصوا على أن يخرج مجلس التعاون للعالم تجسيداً لرغبات ومصالح شعوب الخليج وأمانيه.

قرارات قمة الرياض أعادت قطار التعاون إلى مساره الصحيح وحمته من الانحراف عن الخط الذي وضعه له المؤسسون الأوائل من خلال الميثاق الذي صادقوا عليه في قمة أبوظبي في مايو 1981. كما جاء بيان الديوان الملكي السعودي كخطوة أخرى تجسد رغبات وآمال شعوب الخليج في غدٍ أفضل.

الدور الذي لعبته دولة الكويت بقيادة أميرها الشيخ صباح الأحمد هو دور تاريخي وهو أيضاً استكمال للدور الذي قام به قبل أكثر من ثلاثة عقود ونيف عندما كان لا يزال وزيراً للخارجية.

فدولة الكويت التي رعت فكرة التعاون منذ أن كانت بذرة وليدة حرصت كل الحرص على أن لا تدع العقد ينفرط ولا تدع الجهود التي استثمرت في هذا المنجز تذهب هباءً. الكويت ومعها كل دول الخليج تدرك بأن حماية المجلس هو حماية لأمن الخليج وحماية لتلك الأهداف الكبيرة والتي من أجل تحقيقها قام المجلس وترعرع.

دول الخليج مدركة أن حماية المجلس واجب قومي لأنه يحقق لشعوب الخليج آمالها وتطلعاتها ورغبتها في أن ترى في الخليج منظومة سياسية تتحدث باسمه في عصر باتت التكتلات تشكل جزءاً مهماً من السياسة الخارجية لأي دولة.

الاتفاق الذي تم في الرياض هو خطوة أخرى لتثبت للعالم بأن الخليج قادر على حل خلافاته بنفسه لأنه مدرك لأبعاد وتبعات أي خلاف. الخليج يثبت للكثير من المشككين بأن مجلس التعاون أنشئ لكي يبقى لأنه تجسيد لرغبات وآمال وطموحات شعوب الخليج. وفي سبيل ترسيخ قواعد المجلس المبنية على أساس النظام الأساسي للمجلس والتي وافق عليها الأعضاء عند التأسيس حيث على الأعضاء أن يتوصلوا على الدوام لصيغ توافقية لتحمي عقد المجلس من الانفراط.

فكرة المجلس ولدت في السبعينات لسد الفراغ الذي خلفه الانسحاب البريطاني منذ عام 1971، ذلك الفراغ الذي أغرى العديد من القوى الخارجية للتدخل أو محاولة زعزعة أمن الخليج أو استغلال ثرواته.

دول الخليج تدرك جيداً الآن أن تلك الأخطار والتحديات ما زالت موجودة وأن هناك تحديات جديدة ظهرت كالإرهاب والتطرف ومحاولات زعزعة الاستقرار الداخلي وشق الصف تتطلب تكاتف الأيدي والجهود وقبل كل شيء، تتطلب تكاتف القلوب لصد كل خطر والوقوف ضد أي فتنة تحاول شق الصف واستغلال الفرقة. هذه التحديات تتطلب وقوف دول الخليج ومعها الدول الشقيقة والصديقة ووضع يدها بيد بعضها البعض وإيجاد الحلول الكفيلة بحماية أمن الخليج والمنطقة كلها.

الأخطار والتهديدات أصبحت عابرة للحدود والقارات ودول الخليج مدركة لحجم تلك الأخطار والتحديات ولذا لا بد من التكاتف ونبذ الفرقة التي لا يستفيد منها إلا الغريب والمتربص لأي وحدة إقليمية.

أمام دول الخليج في قمة الدوحة المقبلة ملفات كبيرة منها الملف الفلسطيني والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، الملف السوري والأزمة المتصاعدة، ملف الاحتلال الإيراني للجزر العربية الثلاث والملف النووي الإيراني وملف الإرهاب العابر للقارات.

على دول الخليج دراسة كل هذه الملفات وتدارس تبعاتها على أمن الخليج والمنطقة العربية بشكل عام. ومع انعقاد قمة الدوحة تتعانق قلوب الخليجيين وتتعلق أنظارهم في انتظار قرارات مصيرية تحمي التعاون الخليجي أولاً وتضع قطار العمل الخليجي على مساره الصحيح. فمجلس التعاون لم يكن أبداً منظومة سياسية فقط بل منظومة تجسد رغبات شعوب الخليج وتعكس آمالهم في غدٍ أفضل ومستقبل واعد لأجيال الخليج القادمة.

 

Email