تعليم جيل بأكمله

ت + ت - الحجم الطبيعي

النظام التعليمي في أي مجتمع له أهداف سياسية واقتصادية واجتماعية وعقدية لخدمة المجتمع والدولة، ومتى ما حاد هذا النظام عن أهدافه الأساسية أصبحت آثاره وبالاً على المجتمع والدولة، ولا شك أن جزءاً كبيراً من مأساة عصرنا والمتمثلة في هذا الفكر الأصولي المتطرف الذي بات يحرقنا ويحرق العالم كله، يتحمل عبأه النظام التعليمي والمناهج الدراسية والقائمون على عملية التعليم من مدرسين، أو بشكل أصح من تحول دوره إلى واعظ وداعية.

فشباب اليوم المتطرف هم نتاج طبيعي لعقود من التعليم التلقيني الخالي من المهارات وإعمال الفكر، والذي ركز على حشو الأدمغة الغضة بنوعية معينة من التعليم حتى باتت غير منشغلة بسواه، هذا النمط من التعليم الذي بات اليوم هو السبب في هذا المد المتطرف العنيف الذي يشهده العالم، بأبعاده الكارثية على جميع الأطراف.

البعض يقول جدلاً إن نسبة كبيرة من المحاربين الأجانب في الشرق الأوسط، كشباب داعش مثلاً، قد جاءوا من البلدان الغربية والتي تميزت بنوعية متقدمة من التعليم، وعلى الرغم من ذلك تحولوا إلى ارهابيين يحملون فكراً متطرفاً ونبذاً مخيفاً للآخر.

بالطبع كذلك، ولكن هذه الفئة من الشباب بالتحديد هم من نتاج المدارس الدينية الشرقية في الغرب، تماماً كالطلاب الذين يتخرجون في المدارس الغربية المنفتحة في بلداننا، فكلاهما يحمل نفس التوجه الذي زرع فيه خلال سنوات عمره الغض. فلا يجب أن نتوقع نتيجة مغايرة، فنحن نحصد ما زرعناه.

لقد أدركت دول الخليج، وقبيل أحداث الحادي عشر من سبتمبر بقليل، أهمية مراجعة الأنظمة التعليمية، وبالخصوص المناهج الدراسية، بعد أن ظهرت بوادر الخلل في تلك المناهج، أولاً على شكل بطالة في سوق العمل، ومن ثم على شكل فكر متطرف لا يقبل الآخر ونظرة أحادية للإسلام لا تقبل القسمة. وعلى الرغم من جهود دول الخليج لمراجعة المناهج، إلا أن تلك الجهود على ما يبدو كانت غير كافية.

فالأحداث المتلاحقة التي شهدها القرن الحادي والعشرون ومد التطرف الذي خرجت حدوده إلى أبعد مدى، كانت دليلاً كافياً على أن جهودنا تحتاج إلى عقود طويلة من المراجعة الطويلة حتى نتخلص من ترسبات العقود الماضية، كما تحتاج إلى تكاتف دولي كبير بعد أن مد ذلك الفكر الأصولي جذوره إلى كافة قارات العالم.

فمن يتابع الأحداث العالمية يدرك أن معظم الدول المتقدمة قد أدركت تلك العلاقة بين التعليم والفكر المتطرف، وتم عقد الاجتماعات الدولية بين خبراء التعليم وبين الخبراء الأمنيين، لمنع المدارس والجامعات من التحول إلى بيئات حاضنة ومولدة للفكر المتطرف أو أن تكون أماكن لتجنيد المزيد من المتطرفين.

وقد أدرك الخبراء أن تلك الجهود تحتاج إلى الكثير من المساندة من قبل جهات عدة حتى تصبح عملية مقاومة المد المتطرف ممكنة، فمقاومة الإرهاب والتطرف تحتاج إلى مساندة الجهات الأمنية والاجتماعية والثقافية والدينية حتى تصبح العملية شاملة.

ومن الأسباب التي يراها المختصون ضرورية لعمل توازن في نفسيات الشباب، تفعيل الأنشطة الثقافية، كالموسيقا والفن الراقي الضروري لإثراء الذائقة الفنية، وبالتالي عمل نوع من الموازنة في نفسية الفرد.

من جانب آخر، فإن تشجيع الشباب وإعطاءهم دوراً أكبر في صنع القرار الحياتي الخاص بهم، عملية مهمة للدعم النفسي وبث روح الانتماء. فقلة احترام وتقدير الذات بين الشباب وتفتيت الهوية، لهما دور كبير في إلهاب الشعور والتوجه السلبي نحو العنف، وكذلك غياب روح النقد والحريات المدنية، له دور مهم في بحث الشباب عن وسائل أخرى للتعبير عن الذات، والأنشطة الرياضية لها دور مهم في إشغال وقت الفراغ.

وفي النهاية تطوير المناهج الدراسية والتربوية، التي تحمي الطلاب من الوقوع في براثن التطرف العنيف، والتأكيد على نقل بعض المفاهيم عبر الثقافة المحلية عند تطوير السياسات التعليمية.

ولكن ما هي التحديات التي قد تقف في وجه مكافحة المد الأصولي وانتشار التطرف؟ يرى الخبراء الأمنيون أن هناك بعض العوامل التي قد تقف في وجه مكافحة التطرف، أهمها تفتيت الهوية الوطنية والاستقطاب الداخلي في المدارس والجامعات، والبطالة وغياب بعض مفاهيم العدالة الاجتماعية.

 لذا فإن العمل على إزالة تلك العقبات ومنع استخدام المراكز والجمعيات الدينية والمجتمعية من التحول إلى أماكن لترويج الكراهية والعنف ونبذ الآخر المختلف في الدين والفكر والمعتقد، هي قضايا ضرورية لمقاومة المد الأصولي.

 

Email