راشد.. والحلم الذي تحقق

ت + ت - الحجم الطبيعي

يصادف السابع من أكتوبر كل عام، ذكرى رحيل المغفور له بإذن الله تعالى، مؤسس وباني نهضة دبي الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، لقد نشأ المغفور له في جو يسوده التقدير والاحترام المتبادل بين الحاكم والرعية، وفي مناخ ديمقراطي فريد يقف فيه المواطن حراً طليقاً بفكره ولسانه ومنطقه أمام حاكم البلاد، معبراً عما يجول في نفسه دونما خوف.. كان راشد يراقب عن كثب أسلوب والده، المغفور له الشيخ سعيد بن مكتوم آل مكتوم، فاقتبس ما شاء له أن يقتبس من صور تمثل الديمقراطية، كما عرفها المجتمع المحلي، دونما زيف أو تلوين، تلك الديمقراطية التي كانت تنبع من منبع عربي إسلامي بدوي أصيل.. تولى الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، مقاليد الحكم في إمارة دبي عام 1958، عقب وفاة والده الشيخ سعيد بن مكتوم، ولم يكن الشيخ راشد بجديد على الإدارة السياسية للإمارة، فقد شارك والده في تسيير أمور الحكم منذ عام 1939، وانخرط في العمل السياسي منذ نعومة أظفاره، لكونه الولد الأول للشيخ سعيد، رحمهما الله، إذ اعتاد أن يحضر مجلس أبيه، وكان يبدي اهتماماً بالغاً بما يدور في المجلس، ويصغي لكل الآراء والأفكار التي يطرحها الحضور.

وقد كان حريصاً على فهم دقائق الأمور في شؤون الحكم، وكان يقضي الساعات في تقصي الحقائق عن مجريات الأحداث اليومية في تلك الآونة، ويستفسر بشكل يومي من والديه عما يدور في شؤون الرعية.. ودبي عرفت تاريخياً بأنها مدينة التجّار، وشهدت التجارة في خور دبي نمواً متواصلاً طيلة عقود، حتى رأى باني نهضتها ومؤسسها، الحاجة إلى بنية تحتية عصرية، وهي التي تمثّلت بداياتها في بناء »ميناء راشد«، الذي افتتحه المغفور له الشيخ راشد بعد أشهر قليلة من إعلان قيام دولة الاتحاد في ديسمبر من عام 1971، فكان الميناء الأحدث على سواحل الخليج العربي.

وسرعان ما تم تطور الميناء من 11 رصيفاً ليصل عدد أرصفته إلى 35، وليكون أول ميناء في المنطقة قادر على استقبال ومناولة السفن المحملة بالحاويات العملاقة.. وفي عام 1976، أعطى الشيخ راشد توجيهاته لإنجاز مشروع أكثر طموحاً، تمثّل في بناء أكبر ميناء من صنع الإنسان في العالم.. في جبل علي، باتجاه العاصمة أبوظبي، وكان الهدف من بنائه دعم عمليات التجارة والشحن في ميناء راشد الواقع في قلب المدينة، وسرعان ما تم تغيير مفهوم الميناء الجديد على نحو أوسع، ليشمل التنمية الصناعية المتمثلة بمشاريع عدة.. وتعد هذه الموانئ قصة نجاح رافقت نهضة دولة الإمارات منذ إعلان قيام الاتحاد، حتى باتت اليوم إحدى أكبر مشغلي الموانئ والمحطات البحرية في العالم.. ومما لا شك فيه، أن »درة« هذه الموانئ، يبقى ميناء جبل علي في دبي، الذي يعتبر أكبر ميناء على الإطلاق خارج جنوب شرق آسيا، وفي الشرق الأوسط، وهو يعد فخراً لدولة الإمارات العربية المتحدة.

وفي كتابه »راشد بن سعيد آل مكتوم الوالد والباني«، يصف الصحافي البريطاني »جريم ويلسن«، ميناء جبل علي، بأنه أضخم ميناء من صنع الإنسان.. وثاني أضخم مشروعين أنجزهما الإنسان على وجه الأرض، بعد سور الصين العظيم!..

وتلا الميناء أيضاً مشروع »الحوض الجاف« لإصلاح السفن العملاقة.. ليضيف بذلك للشيخ راشد، طيب الله ثراه، إنجازاً جديداً لسجل إنجازاته العديدة. فقد قال رحمه الله عن مشروع ميناء جبل علي: »إن إقامة هذا الميناء، تأتي تماشياً مع خططنا لجعل هذا البلد مركزاً له شأنه في المجتمع العالمي، ولكي نحول بلدنا من بلد يعتمد على التجارة فقط، إلى مركز يسهم في الصناعات العالمية المتطورة، ويسهل السبل أمام هذه الصناعات لتمضي قدماً في خدمة الإنسانية ومجالات الحياة المختلفة«.

وتفيد شهادات رجال دبي الأوائل من رفقاء المسيرة، أن الراحل المقيم كان يحفزهم للعمل والإنجاز للمساهمة في تشييد البنية التحتية لدبي، والسير بهم ومعهم في اتجاه خريطة طريق رسمها بدقة لمستقبل دبي، وكان يباشر عمله الرسمي فجراً بالقيام بجولة تفقدية لكل مناحي دبي، ليتابع سير المشاريع، ويواصل لقاءاته في مجلسه العامر والمفتوح للجميع.

لقد استطاعت دبي، بفضل حكمة وعقلية مؤسسها وباني نهضتها، المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وبمواصلة خلفه من بعده، أن تتحول إلى مركز مالي وثقافي عالمي، ولفتت انتباه العالم أجمع، وما زالت تبهره بشكل دائم، لإنجازاتها المتطورة وتنافسيتها المستمرة لدول العالم. كما استطاعت أن تجبر الإعلام العالمي على متابعة تطورها وإنجازاتها المذهلة، لأنها تعتبر من أكثر أسواق العقارات سخونة في العالم، وأسرع أسواقها المالية نمواً، وعلى أرضها أقيم أعلى مباني العالم، وأكبر مولاته، ومطارها الدولي العملاق، استطاع أن ينزع »تاج الطيران« من أكبر مطارات العالم توسعاً وازدحاماً وشهرة، وهو مطار »هيثرو« البريطاني.. كما أنها تعتبر أفضل وجهة للمشتريات واحتياجات الزائر والمتسوق، في جو يسوده الأمن والأمان..

لقد أجمع ذوو الرأي أن الشيخ راشد كان يحمل فكراً »ذا رؤية استشرافية«، ترى المستقبل بعين الحاضر، وتبني الحاضر انطلاقاً من رصيد تجارب الماضي.. ويتفق كل من عاصره ورافقه، على أنه كان رجل دولة، وحاكماً حكيماً ونبيهاً، وقائداً ملهماً وقريباً من شعبه.. طيب الله ثراه، وأسكنه فسيح جناته..

Email