ثلاث خطوات لتعزيز قوة «ناتو»

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتعين على حلف الأطلسي «ناتو» إنشاء قوة مستقبلية للقرن الواحد والعشرين، إذا أراد أن يبقى مركزاً عسكرياً استراتيجياً. وفيما كان قادة الحلف في قمتهم الأخيرة يدرسون مستقبل الحلف العسكري الأكثر قوة في العالم، كانت القوات الروسية تمضي في تمزيق أوكرانيا، ويقع مستقبل أفغانستان مجدداً موضع الشك، ويهدد متعصبو «داعش» بنية دول الشرق الأوسط بأكمله..

وتغير التكنولوجيا السيبرانية والصاروخية والنووية المتطورة بسرعة، وجه الفضاءين الحرجين للحلف؛ فضاء خوض المعارك، والفضاء الأمني. وسوف يذكر 14 سبتمبر بأنه شكل اللحظة الحاسمة لقرار الحلف أن يكون ذا مغزى استراتيجي، وإذا أريد له أن يكون كذلك فعلاً.

فإن تاريخ 14 سبتمبر يجب أن يشكل أيضا لحظة إنشاء حلف للقرن الواحد والعشرين بالفعل، مؤطر ضمن مفهوم استراتيجي ذي صلة بسياقه، حيث يقوم الدفاع الجماعي وإدارة الأزمات والأمن التعاوني، بتحديد خيارات التخطيط الخاصة بالدفاع والقوة لكل الحلفاء. ويتم بناء تحالفات بهدفين في الذهن: منع الحروب..

وإذا لزم الأمر، الفوز فيها. والنفوذ والتأثير هما «السلعتان» الاستراتيجيتان الحيويتان اللتان «تتبادلهما» الأحلاف، وعلى هذا النحو تنهض الأحلاف وتسقط على مستوى الوحدة الاستراتيجية للجهد والهدف بين الأعضاء، ومستوى قابلية التشغيل البيني بين قواتها المسلحة.

وإذا فقد أي منهما أو كلاهما، فإن الحلف يشل عمليا. وغزو روسيا لشرق أوكرانيا، إذا لم يشكل شيئا آخر، فإنه ينبغي أن يشكل دعوة للاستيقاظ. لكن يبقى قادة الحلف في حالة من عدم اليقين ومنقسمين استراتيجيا بعمق، حول ما يفترض القيام به حيال عمليات التوغل الروسية في أوكرانيا. وهذا الانقسام لا يعكس فقط نقصا في الوحدة الاستراتيجية للجهد والهدف، وإنما أيضا يعكس انقساماً بعمق في «ناتو» بين أولئك الذين يسعون للحماية الأميركية، وأولئك الأوروبيين الذين يعتبرون القوة العسكرية مجرد مساعد للقوة الناعمة.

ويحتاج «ناتو» إلى إعادة اكتشاف مستوى مشترك من الطموح الذي كان غائبا بشكل ملحوظ أخيرا، وهو شيء كانت موسكو سعيدة لاستغلاله. ويحتاج «ناتو» إلى قوة مستقبلية في صلب نواته العسكرية ذات صلة بالتحديات المقبلة، وأن يتخذ ثلاثة قرارات عسكرية أساساً، هامة في العمق.

- الدفاع الجماعي: يجب تحديث المادة 5 من الدفاع الجماعي، وإعادة تنظيمها حول الدفاع السيبراني والدفاع الصاروخي والقوات المتطورة القابلة للانتشار. وأي معركة بجميع الأسلحة في القرن الواحد والعشرين، يجب إدماجها مع قوات «ناتو» مهيأة أكثر للعمل عبر مشاعات عالمية. وأبعاد الحرب المعاصرة الستة، هي الجو والبحر والأرض والإنترنت والفضاء والمعرفة.

- إدارة الأزمات: تجب إعادة هيكلة القيادة العليا للقوات المتحالفة في أوروبا (شايب)، وقوات الرد السريع التابعة لحلف «ناتو»، وقوات الجاهزية العليا لناتو (HRF) بشكل جذري إلى قوة ناتو مستقبلية. ومثل تلك القوة ستستند على مبدأ وحدة الجهد والهدف العسكري للحلف، وهذا سيسمح له بتوليد قوة فعالة، والعمل على التحكم والسيطرة بشكل كفؤ في أحلاف معقدة، عبر طيف من المهام في حروب عالية التكلفة، إلى دفاع ضد نوع من الحرب الهجينة/ المبهمة التي توظفها موسكو في أوكرانيا.

- الأمن التعاوني: يجب أن يكون الحلف مهيأ بشكل أفضل للعمل مع كل شركائه الاستراتيجيين في كل أنحاء العالم، دولاً ومؤسسات، عسكريين ومدنيين، إذا ما أراد أن تبقى له مصداقية في الأمن الدولي كما في الأمن الأوروبي.

والقوة المستقبلية لـ«ناتو» القادرة عالمياً، يجب أن تكون في صميم «ناتو» جديد، حيث مفاهيم التخطيط الحالية للحلف 2020، والدفاع الذكي ومبادرة القوات المتصلة ببضعها، هي في الواقع مندمجة مع قوة الرد السريع التابعة لحلف ناتو، وقوات الجاهزية العليا (HRF) في معركة بكل الأسلحة في القرن الواحد والعشرين. وعملية الضم العميقة والعضوية بين قوات «ناتو»، ستكون الآلية القابلة للتشغيل البيني في صلب القوة، مما يسمح للدول بإحراز التوازن الضروري بين القدرة وتحمل التكلفة.

و«قيمة مقابل المال» هو شعار الدفاع الأساسي الذي لا مفر منه اليوم. وستكون هناك حاجة لعنصر جدي حاسم في موقف القوة الاستراتيجية لـ«ناتو» ما بعد قمة ويلز: المعرفة. مع كل الحديث عن القدرات العسكرية، فإن مكون خوض الحرب الحساس لحلف «ناتو»، هو تقاسم المعرفة وفهم البيئات والممارسات التي تولدها.

وبالتأكيد، مثل تلك المعرفة تمكن خسارتها بسرعة كبيرة، إذا لم تتخذ خطوات لالتقاطها بشكل منهجي ودمجها في قوة مستقبلية لـ «ناتو». وقبل كل شيء، يجب أن يبقى الحلف مركزاً عسكرياً استراتيجياً ذا مصداقية. وبالتالي فإن القوة المستقبلية لـ«ناتو» يجب أن تكون قوة لخوض الحروب، مع بقائها رشيقة وذكية.

إن معظم الأزمات في قرن يظهر على أنه شديد الخطورة، ستتطلب أولاً وفي المقدمة أدوات قوة ناعمة وحلولاً سياسية. لكن من دون التشديد على قوة عسكرية صلبة ذات مصداقية، فإن القوة الناعمة، كما كتب توماس هوبز يوماً، «قوانين من دون سيف» وعلى هذا النحو «مجرد كلام».

 

Email