مجتمع الإمارات محافظاً على نسيجه الاجتماعي

ت + ت - الحجم الطبيعي

يرى علماء علم الأخلاق وعلم الاجتماع، أن ظاهرة السلوكيات المرفوضة في المجتمعات المحافظة والمتماسكة في نسيجها الاجتماعي، كالعنف الأسري، تعد من الظواهر الاجتماعية الشائعة في كل المجتمعات الإنسانية، لكنها تختلف من مجتمع لآخر حسب الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وأن هذه الظاهرة تكاد تنعدم نتيجة الضبط الاجتماعي الذي تمارسه الأسر الممتدة في المجتمعات التقليدية على أفرادها، في حين تنتشر الظاهرة في المجتمعات الحضرية، بسبب عوامل التغير الاجتماعي وضعف الضوابط الاجتماعية بين أفراد الأسرة. وفي التعريف النفسي يرى العلماء أن العنف سلوك غريزي مصحوب بالكراهية وحب التدمير، هدفه تصريف الطاقة العدوانية المكبوتة، وقد يكون نتيجة الإحباط الشديد وعدم قدرة الشخص على التسامي وضبط النفس.

تلك الظواهر الاجتماعية الشائعة في مختلف المجتمعات الإنسانية، أفرزتها المتغيرات التي يشهدها العالم في مختلف المجالات.

وعلى الرغم من تلك التطورات والمتغيرات، يحافظ مجتمع الإمارات على نسيجه الاجتماعي المتماسك، بسبب سيطرة النظام الاجتماعي والقيم والعادات والتقاليد الاجتماعية العربية والإسلامية، لذا لم يتحول العنف الأسري إلى ظاهرة اجتماعية في الدولة، وما يحدث هنا وهناك هو حوادث فردية تتسبب فيها عوامل اقتصادية وضغوط نفسية.

ويتخذ العنف الأسري أشكالاً عديدة تتجاوز الضرب أو الأذى الجسدي أو اللفظي العنيف أو التحرش الجنسي، وتتلخص العوامل المؤدية إلى العنف الأسري في ضعف الوازع الديني، وضعف الشخصية وعدم الاستقرار والاتزان الانفعالي، وعدم إدراك الواقع الاجتماعي، وضعف الثقة بالنفس والحساسية المفرطة تجاه كلام وسلوك الآخرين، والعوامل الأسرية المرتبطة بالتكوين الأسري والتنشئة الاجتماعية والظروف الأسرية المحيطة، ثم العوامل المجتمعية، مثل ضعف العادات والتقاليد والقيم والأعراف التي تحض على الرحمة واحترام الغير وحريتهم، وضعف أساليب الضبط الاجتماعي الرسمي وغير الرسمي في المجتمع، وتعرض الأسرة لمشاهد العنف والجريمة بشكل يومي متكرر من خلال وسائل عديدة في المجتمع.

وحسب التصنيفات يتدرج العنف الأسري، من العنف الموجه نحو الذات والزوج والزوجة والأبناء والأب والأم (كتصنيف أول)، وإيذاء النفس وسب أعضاء الأسرة والتهديد اللفظي، والتشابك بالأيدي والتشاجر والضرب والسرقة والتحرش الجنسي والتهديد بالقتل، والطرد والخلع والطلاق والحرق وإحداث عاهة والقتل (كتصنيف ثانٍ)، ثم العنف المؤقت والمتقطع والمستمر (كتصنيف ثالث)، والعنف بدرجاته البسيطة والمتوسطة والكبيرة (كتصنيف رابع)، والعنف في نطاق الأسرة وخارجه نحو الجيران أو الأقارب (كتصنيف خامس).

وهنا تبرز التوعية كعامل محوري في التعريف بالآثار التي تترتب على تلك الظاهرة، وهي مسؤولية مشتركة بين الجهات الرسمية والأهلية، إلى جانب دور المدرسة والمسجد ومختلف وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، بالإضافة إلى ضرورة سن تشريع يعاقب كل من يتجاوز الحدود المسموح بها اجتماعياً في ممارسة العنف الأسري على أي من أفراد الأسرة.

نحن نعيش في عالم متحول وأصبح قرية كونية، حيث استطاعت وسائل الإعلام في عصر المعلوماتية أن تزيل الحواجز بين الدول والشعوب، كما أن العولمة الثقافية طرقت أبواب بيوتنا دون استئذان، شأنها شأن الفضائيات التي جلبت معها كثيراً من القيم الاجتماعية الدخيلة على مجتمع الإمارات، وهناك كثير من المشاهد في البرامج التلفزيونية التي يمارس فيها العنف الأسري باعتباره عملاً بطولياً، والتي بدورها تؤثر على كثير من المشاهدين، وخاصة الذين يعانون من ضغوط نفسية واقتصادية وغيرها من الضغوط الاجتماعية.

ومما لا شك فيه أن للأزمات الاقتصادية تأثيراً وانعكاسات اجتماعية مباشرة، ويصاحب التغيرات الاجتماعية بعض المؤشرات الإيجابية والسلبية، حيث ارتبطت الأخيرة بالتنشئة الاجتماعية ومشكلات التفكك الأسري، والمتمثلة في التوتر العائلي الدائم والانفصال المؤقت، وأخيراً الطلاق الذي تتسبب فيه، ونتجت عنه ظواهر سلبية كثيرة منها ظاهرة العنف الأسري، إضافة إلى الآثار والمشكلات الاجتماعية والنفسية والصحية الأخرى.

وللحيلولة دون وصول الخلافات الأسرية إلى مرحلة الطلاق، أظهرت دراسة ميدانية أجرتها جمعية توعية ورعاية الأحداث على عينة شملت 200 فرد (من المطلقين والمطلقات) في مختلف إمارات الدولة، أن هناك مجموعة من الوسائل والسبل لتهدئة وحل تلك الخلافات، منها على سبيل المثال: ترك مكان النقاش عندما لا تتمكن من التفاهم مع الطرف الآخر، والحوار المتبادل البناء وبصوت منخفض، والسيطرة على الأعصاب والاعتذار عن الخطأ، واختيار كلمات مناسبة لتهدئة الأمور، والانفصال المؤقت والهجر في بيت الزوجية لفترة قصيرة محدودة، واختيار حَكَم من قبل الطرفين من الأسرتين، واللجوء إلى أحد الأقارب من ذوي الخبرة المشهود لهم بسداد الرأي وإسداء النصيحة، إضافة إلى العمل على زيادة الوعي الاجتماعي لدى الشباب المتزوجين حديثاً، وزيادة الوازع الديني الذي يخفف من حدة الخلافات والإشكاليات الأسرية اليومية.

لقد باتت ظاهرة الطلاق تؤرق مجتمع الإمارات، حيث تؤكد الدراسات أن مجتمع دول مجلس التعاون الخليجي بشكل عام ومجتمع الإمارات بشكل خاص، من بين المجتمعات التي تزيد فيها نسب الطلاق، وتشير الإحصاءات إلى ارتفاع حالات الطلاق في الإمارات، إلا أنه لا يمكن الإقرار بالأرقام المتوفرة نتيجة تنوع وتباين مصادر الإحصائيات في الدولة. لذا نحن بحاجة إلى تكاتف جهود جميع الجهات الرسمية والأهلية والمؤسسات والأفراد، لمواجهتها بهدف الحد من هذه الظاهرة، والحفاظ على تماسك نواة المجتمع.

Email