نجوم لمعت.. ثم هوت

ت + ت - الحجم الطبيعي

من يتابع منا الوضع العربي المأزوم وما آلت إليه الأمور في المجتمعات العربية بصورة عامة يتألم لأمة ذكرت بأنها من أفضل الأمم والحضانة الرئيسة للدين الإسلامي في بداياته، وقد باتت الآن في وضع لا تحسد عليه، وضع يذكرنا بأحوال القرون الوسطى وبؤسها.

أوضاع سياسية مأزومة وأوضاع اقتصادية واجتماعية أكثر تأزماً وأوضاع فكرية لامسها الصدأ حتى غدت غير قادرة على التفريق بين الحقيقة والسراب، بين العقلاني واللاعقلاني.

ما آلت إليه الأمة يمكن تفسيره بأنه ردة سلبية جعلت من هذه المجتمعات ترجع مرة أخرى الى أوضاع سابقة عاشتها إبان عصور الظلام، تشتت وتشرذم أفرز فوضى سياسية، وتكفير وحجر وإقصاء للرأي الآخر أفرز أوضاعاً ثقافية سيئة.

ومما ساهم في تردي الأحوال وجود أنظمة حكم دكتاتورية سيرت الأوضاع في مسار معين حتى يخدم مصالحها السياسية والايدلوجية ويجعل من شعوبها كالخراف تتبع من يعلو صوته وتقوى شكيمته.

خلال هذه المرحلة برعت المجتمعات العربية في قضية واحدة هي صناعة النجوم، ليس نجوم الطرب والغناء فقط بل نجوم ورموز مجتمعية خلقت لتمجد هذا النظام وتدعمه أو تكون بوقا اعلاميا لهذا النظام أو ذاك. فشاعت أسماء لنجوم خدمت الأنظمة بكل جدارة حتى اكتسبت بعض الانظمة شعبيتها من شعبية نجومها.

فقد كان من مصلحة تلك الأنظمة أن تسلط الأضواء على نجوم معينة يتحلق حولها الناس وينساق وراءها رجل الشارع وتستطيع من خلاله أن توجه الرأي العام في مسار محدد يخدم مصالحها. فانساقت أعداد غفيرة من الناس خلف تلك النجوم، وآمنت بكل ما كانت تمليه عليها نجومها البراقة واعتنقت فكرها وصفقت لها بل ومشت على نهجها الايديلوجي أو السياسي أو الفكري.

فلم يخل بلد عربي من نجوم مجتمعية خلقت لتلمع هذا النظام أو ذاك بل وتستغل لضرب نظام آخر منافسا أو معاديا لها. تلك كانت وظيفة النجوم التي كانت تلمع بين الفينة والأخرى لتوصل رسالتها حسب الخطة الموجهة لها.

اختلفت خلفيات تلك النجوم، فبعضهم كان رجال إعلام مشهورين وآخرون رجال دين وفتوة أضفيت عليهم العمامة لباس التقوى والصدق والبعض الثالث رجال علم وثقافة استطاعوا بقلمهم أن يكسبوا الجماهير لأغراض ايديلوجية.

وجير الإعلام ليلعب دورا مهما في تلميع صورة تلك النجوم وإيصال رسالتهم للرأي العام. فاستخدمت القنوات الفضائية لتخدم هذه النجوم وتلمعها وتقدمها للجمهور حسب الخطة المحكمة كما استخدمت وسائل الاعلام الاخرى بعناية ودقة لتخدم نفس الهدف.

وانساقت أعداد غفيرة من الناس خلف تلك النجوم اعتقادا منهم بأن هذا النجم لا ينطق عن هوى وانما ينطق عن إيمان خالص ورسالة تنويرية هادفة. ولم يكن يعرف الجمهور أن لكل نجم أجندة خاصة به ووراءه تقف خطة محكمة ورسالة معينة توصل من يدعمه الى هدفه

. فلا غرو أن تكثر صناعة النجوم في عالمنا العربي بل وأن تصبح صناعة مربحة لمن يقف وراءها ويدعمها . فلمعت نجوم عديدة كانت تقف وراءها تيارات فكرية وإيديولوجية رفعتها إلى مصاف المشاهير بينما هي في حقيقتها خواء.

وساهم الرأي العام في إيصال بعض النجوم الى مكانة عالية لا يستحقها ولم يكن لينالها لولا الدعم الشعبي. وبما أن صناعة النجم صناعة سياسية بامتياز فقد زج بهؤلاء النجوم في لعبة السياسة ليحققوا أهداف مرجوة منهم.

فبدأ كل نجم يسفه الآخر أو يكفره أو يهمشه أو يلغيه دون تقبل للاختلاف أو الرأي الآخر، الأمر الذي أدخل أمتنا في متاهات فكرية خلقت تشرذما اكثر وضعفا لافتا أرجع المجتمعات العربية قرونا طويلة الى الوراء.

ومما زاد الطين بلة هو انقسام الآلة الاعلامية الذي ظهر على شكل تحزبات مع نجم مدعوم من قبل تيار ضد آخر، الامر الذي اوصل صورة سيئة عنا الى الاخر.

فمن يتابع وسائل الاعلام لا يستطيع الا أن يقول إن العرب قد عادوا مجددا الى وضعية القرون الوسطى من خلال تلك الشعارات التي باتت ترفع والمواقف التي باتت تتخذ والاساليب التي لا يمكن أن تنجح إلا في زمن القرون الوسطى حين غابت القوانين والعقل والمنطق وساد قانون الغاب وكانت الغلبة للأقوى.

سوء الاوضاع هذه لا ترجع فقط الى أن المجتمعات العربية قد غابت عنها التنمية الثقافية وضعف عندها عامل الوعي السياسي وطغت عليها الأيديولوجيات المشوشة بل الى أن هذه المجتمعات قد باتت ضحية لنجوم وهمية مؤقتة سلطتها عليها الاضواء لتخدم أغراضا سياسية وقتية.

فجبروت الآلة السياسية في معظم البلدان العربية والذي أدى الى ضعف المشاركة السياسية، أدى بالتالي الى تردي الوعي العام أو تغييبه أو تخديره.

وبما أن هذا الوضع كان وضعا غير طبيعي أي وضعا غير قابل للاستمرار الى الابد، كان لا بد من أن يتغير بتبدل أحوال المجتمعات العربية. وهكذا هوت أنظمة سياسية عديدة وهوت معها رموزها. لقد تغير الزمن. فظهرت أجيال جديدة رفضت الانصياع للوضع السائد وبدأت تجادل وترفض الكثير مما تقوله أو تدعيه تلك النجوم.

 من ناحية أخرى فقد تغيرت البيئة الحاضنة لتلك النجوم تغيرا جذريا وبات الكثير من تلك النجوم لا يناسب الوضع الجديد. فهوت رموز أو نجوم كانت في يوم ما تشغل العالم العربي بفتواها أو تصريحاتها ومواقفها. لقد انتهت في الواقع صلاحية تلك النجوم وحان الوقت لنجوم جديدة تناسب المرحلة الجديدة كما تناسب بوصلة الزمان والمكان الذي بات يقف فيه العالم العربي اليوم.

 

Email