قراءة في واقع الانتخابات العراقية

ت + ت - الحجم الطبيعي

الانتخابات البرلمانية التي سيشهدها العراق نهاية الشهر الحالي تضع العراق على مفترق طرق: إما التغيير بحثاً عن حكومة تنتشل العراقيين من التشتت والتناحر والصراع الطائفي، أو ترسيخ الديكتاتورية وسلطة الحزب الواحد المتفرد بقيادة البلد، حتى وان كان الى الهاوية.

المزاج الانتخابي للعراقيين اختلف كثيراً عن الانتخابات الماضية، وحلفاء الأمس وصلوا الى مرحلة القطيعة او العداء فيما بينهم. فقرروا ان يدخلوها متفرقين لا موحدين هذه المرة..

فالتحالف الشيعي انقسم لعشرات الكتل المتنافسة لسببين: اولهما الخلاف الذي تعمق خلال سنوات الحكم، والسبب الآخر قانون الانتخابات الجديد الذي يسمى (سانت ليغو)، حيث يمنح الفرصة للكتل الصغيرة ان تأخذ دورها وحجمها وفقاً لما تحقق من نتائج، بينما كان النظام الانتخابي السابق يسلب حق الكتل الصغيرة التي لا تتمكن من كسب مزيد من الاصوات ويصادر اصواتها لتضاف الى الكتل الكبيرة.

وهو ما دفع الاحزاب ان تدخل منفردة في الانتخابات وبعضها دخل بأكثر من قائمة في هذه الانتخابات كما فعل المالكي والتيار الصدري والمجلس الأعلى والأكراد.

وفي قراءة لواقع الحال العراقي يمكننا ان نستخلص بعض المعطيات لمعرفة مزاج الناخب العراقي من خلال قراءة لواقع نتائج انتخابات مجالس المحافظات التي جرت في العام الماضي، والتي اظهرت تراجعاً واضحاً لكتلة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وخسارته لكثير من المقاعد، رغم احرازه المركز الأول في تلك الانتخابات.

بمعادلة حسابية بسيطة فقد حصل ائتلاف دولة القانون على 97 مقعداً في انتخابات مجالس المحافظات مقابل 124 مقعداً للتيار الصدري والمجلس الأعلى وما يقرب من خمسين مقعداً للقوى السنية..

ما يعني ان تحالف الصدريين والمجلسين لوحدهما فقط سيجعلهما الكتلة الاكبر اذا ما تحققت نسب مقاربة لنتائج انتخابات مجالس المحافظات، وهذا التحالف هو اقرب للتفاهم والتحالف مع كتلة متحدون بزعامة النجيفي وعراقية علاوي وعربية المطلك بالإضافة الى الاكراد، من التحالف مع كتلة المالكي؟!

وبغض النظر عن الكتل الأخرى الصغيرة أو الجديدة التي برزت في هذه الانتخابات، فأول المعطيات التي يمكن ان نخرج بها هو ان تحالفاً صدرياً مجلسياً سيتمكن بسهولة ان يكون الكتلة الاكبر في البرلمان، حتى وان جاء المالكي في المركز الأول في الانتخابات.

وهذا يعني ان المالكي سيخسر وفقاً لذات الطريقة التي كسب بها في الدورة الماضية، التي كان فيها ائتلاف العراقية أولاً في الانتخابات، لكن المالكي التف على هذا الفوز بتشكيل الكتلة البرلمانية الاكبر بعد الانتخابات وفقاً لتفسيرات المحكمة الاتحادية العليا وقتذاك.

ولكن لا يمكن الجزم بهذه النتيجة رغم كونها الأقرب الى الواقع العراقي، لأن التحالفات التي تجري تحت الطاولة والصراع على منصب رئيس الوزراء ورئاسة الجمهورية والمناصب الأخرى ربما يعصف مجدداً بتلك التحالفات.

خاصة اذا لم يتفق تيار الصدر والحكيم على منصب رئاسة الوزراء، ما سيدفع احدهما الى العودة الى التحالف مع كتلة المالكي رغم صعوبة هذه الخطوة، خاصة بعد موقف مرجعية النجف التي طالبت الشعب العراقي بعدم التجديد للفاشلين، واغلقت ابوابها بوجه رئيس الوزراء الحالي تعبيراً عن امتعاضها وسخطها لطريقة ادارته البلاد.

أما التحالف الكردي فلم يعد هو الآخر كما كان بعد ان تراجعت حظوظ حزب الرئيس العراقي الحالي جلال الطالباني وغيابه عن المشهد السياسي منذ اكثر من سنة بسبب المرض، وبروز كتلة التغيير الكردية التي حققت تقدماً كبيراً في الانتخابات في كردستان.

والتحالف الكردي يبحث دوماً عن الحليف الذي يقدم تنازلات اكبر لإقليم كردستان بطريقة براغماتية لا مجال فيها للعلاقات او المواقف التاريخية التي تربطهم مع الأحزاب والشخصيات العراقية. لكن المؤكد ان هذا التحالف هو ضد التجديد للمالكي لولاية ثالثة على اقل تقدير.

اما العرب السنة الذين سيدخلون الانتخابات متفرقين متناحرين مغضوب عليهم من جماهيرهم بسبب مواقفهم الضعيفة تجاه الحملة العسكرية التي يشنها المالكي منذ اشهر على محافظة الأنبار. فإن اغلبهم ضد التجديد للمالكي بحثاً عن حليف شيعي اقرب لهم. والحال ذاته ينطبق على ائتلاف الوطنية بزعامة علاوي الذي يرفض رفضاً قاطعاً التجديد للمالكي.

لذا فكل المعطيات تشير الى ان المالكي لن يكون رئيساً لوزراء العراق في قادم الأيام، وربما سيخرج هو وكتلته بأكملها من ساحة الحكم الى ساحة المعارضة بعد ان تزايدت القناعات بحكومة الاغلبية البرلمانية كونها خياراً اكثر فعالية من ما يسمى بحكومة الوحدة الوطنية أو حكومة المحاصصات الطائفية والعرقية بشكل ادق.

لكن السؤال الأهم هو: هل ان المالكي سيتخلى عن الحكم بهذه السهولة ويحترم اسس اللعبة الديمقراطية وهو الممسك بقوة بملفات القضاء والأجهزة الأمنية والقوات المسلحة وجهاز المخابرات منذ سنوات؟!

 الأمر مرتبط بقوة تحالف اعداء المالكي نفسه، وقدرتهم على الصمود والمواجهة والاستفادة من دعم جماهيرهم والمرجعيات لعدم التجديد لولاية ثالثة، وعدم الرضوخ لإغراءات المالكي التي سبق أن تمكن من خلالها من شق صفوف معارضيه؟!

 

Email