الحكومة الإلكترونية قصة نجاح إماراتية

ت + ت - الحجم الطبيعي

قد لا تكون طريقك دائماً مفروشة بالورود، لكن ذلك لا يعني أنها موصدة بالضرورة، اللهم إلا لمن اعتادوا استسهال المكاسب أو من ولدوا وفي أفواههم ملاعق من ذهب. بالنسبة لي، أؤمن دائماً بإمكانية الالتفاف على وعورة الطريق وصولاً إلى الهدف، شرط التحلي بالإصرار والعزيمة ووضوح الرؤية، والأهم من كل ذلك حب العمل والرغبة في خدمة هذا الوطن، الذي لم يبخل يوماً على أبنائه وأمته.

كلنا قرأنا وتابعنا قول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في لقائه الأخير مع صحيفة صينية: "أنا دوماً أشجع الجميع على التحلي بروح التحدي وعدم الاستسلام، والإيمان دائماً بأن هناك حتماً طريقة لإنجاز المهمة".

من ذا الذي من بيننا لم يلامسه هذا القول حتى أعماق وجدانه؟ ما حققته دولة الإمارات في التقرير الأخير الصادر عن الأمم المتحدة عن جاهزية الحكومات الإلكترونية حول العالم، ليس من الأمور التي تحدث كثيراً في عالمنا المعاصر. فمن النادر، والنادر جداً، أن تقفز دولة أكثر من تسعين درجة دفعة واحدة، على سلّم معيار خدمات الحكومة الإلكترونية. ومن يريد التأكد من ذلك، فليراجع تاريخ هذا المؤشر العالمي منذ التقرير الأول الصادر عن الأمم المتحدة عام 2003.

إنها وثبة عالية، لكنها ليست وثبة في الفراغ، فقد انطلقت من أرضية صلبة، نحو اتجاه واضح المعالم تكمن بوصلته في إيماننا بضرورة العمل لتكون دولة الإمارات من أفضل الدول في هذا العالم. لقد فعلناها بحمد الله تعالى. تسألون؛ كيف؟ لعلي في هذا المقال أقدم شيئاً من الإجابة. أما الإجابة كاملة فيطول شرحها، وربما تحتاج إلى مقالات أخرى لاحقة.

لنتوقف قليلاً مع الأرقام والحقائق، فهي تقول الكثير مما يغني عن الشرح: في عام 2008، كان ترتيب دولة الإمارات في مؤشر الأمم المتحدة لجاهزية الحكومة الإلكترونية، الثاني والثلاثين على مستوى العالم.

وفي الدورة التالية من المؤشر، أي في 2010، وبينما كانت غالبية دول المنطقة من حولنا تحقق تقدماً بنسب متفاوتة على مؤشر الجاهزية الإلكترونية، تراجعت دولة الإمارات إلى المرتبة 49 لتخسر بذلك 17 مركزاً.

وبديهي أن ذلك لم يكن نبأ ساراً لأي منا. ولإعطاء فكرة عن المؤشر العالمي المذكور، فهو يقوم على أربعة مؤشرات فرعية، هي: خدمات الحكومة الإلكترونية، ورأس المال البشري، والاتصالات، بالإضافة إلى المشاركة الإلكترونية. وكان التراجع الأكثر فداحة لدولة الإمارات، يتمثل في خدمات الحكومة الإلكترونية، حيث بلغ ترتيب دولة الإمارات فيه 99 على مستوى العالم.

والجدير بالذكر أن مؤشر خدمات الحكومة الإلكترونية، يقاس على أساس مدى كفاءة وتطور البوابة الإلكترونية الوطنية، أي الموقع الذي يمثل الحكومة في أي بلد، والذي من خلاله يتم توفير كافة الخدمات والمعلومات للجمهور، بالإضافة إلى عدد من المواقع الإلكترونية التي تقدم خدماتها للجمهور. وفي فترة التقييم لتقرير 2010، كانت البوابة الإلكترونية التي تمثل دولة الإمارات تتسم بالتواضع إلى درجة البدائية، خلافاً لحال بوابات بعض الحكومات الإلكترونية المحلية في الدولة، التي تفوقت على الكثير من مثيلاتها في المنطقة والعالم.

وبينما كان أداء دولة الإمارات طيباً عام 2010 في مؤشر الاتصالات، حيث بلغت المرتبة 25 عالمياً، فقد كان حالنا على مؤشر رأس المال البشري متواضعاً، إذ بلغ ترتيب الإمارات 110 على مستوى العالم. ولم تكن حالنا أفضل بكثير في مؤشر المشاركة الإلكترونية، إذ كنا في المرتبة 86 عالمياً في مؤشر 2010.

وكمحصلة لتلك الأرقام، جاء الترتيب الإجمالي لدولة الإمارات في جاهزية الحكومة الإلكترونية 49 على مستوى العالم. من حسن الطالع أن الإعلان عن مؤشر جاهزية الحكومة الإلكترونية 2010، ترافق مع توجيهات حثيثة من القيادة الرشيدة في دولة الإمارات، للجميع بضرورة تعزيز العمل الاتحادي انسجاماً مع رؤية الإمارات 2021، وذلك في كل الميادين بما في ذلك الحكومة الإلكترونية، كي نسهم جميعاً في جعل دولتنا الحبيبة واحدة من أفضل الدول على الخريطة العالمية. وترافق ذلك كله مع تغيير وجهة الهيئة العامة للمعلومات، وتحميلها مهمة تفعيل الحكومة الإلكترونية الاتحادية.

وأذكر أننا جلسنا عدة مرات نتدارس ترتيب الدولة في مؤشرات الأمم المتحدة للحكومة الإلكترونية، وكنا متفقين على أن ذلك الوضع لا يليق بسمعة الإمارات وريادتها في مجال الحكومة الإلكترونية على مستوى المنطقة، كما أنه لا يليق بمستوى الولاء والوفاء الذي نحمله في قلوبنا لقيادة هذا البلد ولشعبه المعطاء. وكان أن وضعنا خريطة طريق واضحة المعالم، عنوانها "الارتقاء بتنافسية دولة الإمارات في الحكومة الإلكترونية".

وشاركتنا في هذه الخريطة الجهات الحكومية الاتحادية الست، التي يتم تقييمها في سياق قياس مؤشر الجاهزية الإلكترونية، وهي: وزارة الشؤون الاجتماعية، وهيئة الإمارات للهوية، ووزارة التربية والتعليم، ووزارة الصحة، ووزارة العمل، ووزارة المالية. وبدأنا حملتنا بدراسة تحليلية لمعايير الأمم المتحدة في مجال الحكومة الإلكترونية، وآليات التطوير المحتملة في مختلف مجالات العمل ذي الصلة.

وتم تشكيل فريق عمل من حكومة الإمارات الإلكترونية وتلك الجهات الست، مهمته العمل على تنفيذ مبادرة الارتقاء بتنافسية الدولة في مجال الحكومة الإلكتروينة، وعقدنا في سبيل ذلك العديد من ورش العمل التي اتسمت بتبادل الخبرات والممارسات والتشاور في كيفية النهوض بهذا العبء الوطني المهم.

وهكذا، بدأ كل منا يعيد ترتيب "بيته" الإلكتروني من جهة، وينقل خلاصة ما يتوصل إليه في كل محطة إلى الآخرين من جهة أخرى، إلى أن انتهينا من إنجاز برنامج العمل بنسبة عالية، وفي الوقت المناسب والمحدد سلفاً. عملنا بروح جماعية وبإخلاص، فكانت النتيجة مبهرة بالفعل: تقدمنا في خدمات الحكومة الإلكترونية من المركز 99 إلى المركز 7 عالمياً، وفي المشاركة الإلكترونية تقدمنا من المركز 86 إلى المركز 6 عالمياً.

وكان لهذا التقدم في المسارين انعكاسه المباشر على النتيجة الكلية للجاهزية الإلكترونية، حيث تقدم ترتيب الدولة من 49 إلى 28 على مستوى العالم. هذا عن الإنجاز، أما عن الدروس المستقاة، ففي مقال قادم إن شاء الله.

Email