الطاقة النووية .. فوائد ومخاطر

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعد امتلاك الطاقة النووية السلمية من القضايا التي تشغل حيزًا كبيرًا من دائرة اهتمامات الدول، ومنشأ ذلك هو نظرة التوجس إلى المصدرين الآخرين وهما النفط والغاز اللذان ينظر إليهما على أنهما مصدران قابلان للنضوب، وبالتالي أضحى الاعتماد عليهما أمرًا مشوبًا بالحذر، ما دفع إلى اعتبار الطاقة النووية السلمية خيارًا مهمًّا وبديلًا يمكن الاستعاضة به وتخفيف الاعتماد على النفط والغاز، في ظل ما يتعرض له النفط من عدم استقرار في الأسعار التي ترتبط بالتطورات السياسية والاقتصادية العالمية.

إلى جانب المضاربات به في الأسواق العالمية. مع عدم إغفال جوانب مهمة توفرها الطاقة النووية في عالم الاقتصاد والاستقرار المعيشي، فهي على الرغم من جملة الشكوك التي تحوم حولها بالنظر إلى إمكان تحولها عن سلميتها إلى إنتاج أسلحة ذرية، أو مخاوف ما يمكن أن تسببه من تلوث إشعاعي ـ كما حدث مؤخرًا في اليابان على سبيل المثال ـ وصعوبة التخلص من النفايات المشعة، فإن مساهمتها في دفع عجلة التنمية وتحريك تروس الاقتصاد لا سيما في توليد الكهرباء ومساهمتها في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، قد غدت أمرًا ملموسًا لا يمكن القفز عليه.


من هنا جاءت عملية التفكير لدى الدول الساعية إلى تفادي أي متغيرات قد تطول النفط والغاز، في البحث عن وسائل الطاقة المتجددة وإقامة بنى تحتية لها، ناظرة إلى ما ستحققه هذه الطاقة من عوائد اقتصادية واستثمارية أفضل بكثير عن مجالات الاستثمار التقليدية.


فقد كانت السلطنة واضحة في كلمتها التي ألقاها سعادة السفير الدكتور بدر بن محمد بن زاهر الهنائي سفير السلطنة لدى جمهورية النمسا ومندوبها الدائم لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية أمام الدورة السادسة والخمسين للمؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية أمس في فيينا، في أنه لا تزال هناك تحديات تعتور استخدام الطاقة النووية.

إلا أن دورها يجب أن لا يستهان به في التنمية المستدامة، مشددة على دعوة كافة الدول لإعطاء الاهتمام المناسب للاستخدامات السلمية للطاقة النووية. وفي الوقت الذي أكدت فيه السلطنة دعمها للفعاليات التي تنظمها الوكالة حول قضايا الطاقة المستدامة والأغذية والمياه والبحار من أجل المحافظة على صحة الإنسان والبيئة وتعزيز التجارة الدولية، شددت على مبدأ الشفافية والصراحة والوضوح في التعامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، واتجاهها للتعاون مع الوكالة بغرض تعزيز القدرات التحليلية للمختبرات القائمة حاليًّا في السلطنة، بما في ذلك استخدام التقنيات النووية التحليلية بالتزامن مع تطوير النظم التشريعية والرقابية المحلية، لتتماشى مع المقاييس والمعايير الدولية.


وعلى الرغم من الفوائد المتحققة من الطاقة النووية السلمية، فإن العالم لا يزال يعاني اليوم من غياب الشفافية والصراحة في التعامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، واستغلال العضوية بالوكالة في الترويج للكذب والغش والتنصل من معاهدة حظر الانتشار النووي، فقد كان لافتًا أنه في اليوم الذي يحتفل فيه العالم بيوم السلام العالمي، يعلن الكيان الصهيوني أمام اجتماع الوكالة الدولية للطاقة الذرية رفضه فكرة عقد قمة تهدف لإقامة شرق أوسط خالٍ من الأسلحة النووية، زاعمًا أنها غير واقعية. ومن المؤكد أن هذا الرفض يعطي دليلًا إضافيًّا على رفضه للسلام، وعلى الخطر الداهم الذي يمثله هذا الكيان الاحتلالي الغاصب ليس في المنطقة فحسب.

بل وفي العالم أجمع، فبعناده ورفضه التوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإخضاع منشآته النووية للرقابة الدولية يؤكد عدم سلامة نياته وسعيه لزعزعة الاستقرار والسلم الدوليين، في حين يحيك المؤامرات ويحرض ضد كل من يحاول أن يمتلك الطاقة النووية السلمية. فالرفض الإسرائيلي للانضمام إلى معاهدة حظر الانتشار في الوقت الذي تمارس فيه القوى الكبرى ضغوطها وتلوح بالحروب الاقتصادية والعسكرية والعزلة ضد أطراف أخرى يكشف حالة التمييز والانتقائية التي تطغى على سياسة المنظمات والمؤسسات الدولية والقوى الكبرى، ما يعني أن الأمن والاستقرار العالميين لن يتحققا، والبرامج النووية الإسرائيلية مطلقة اليد وبحوزتها ما يزيد على مئتي رأس نووي.


لقد عُدْنا، وبعد قرونٍ من الانفصال في المكان والزمان، ومن الفقر في "المعرفة المتبادلة (المتزامنة)"، إلى "نقطة الانطلاق" في الاتصال الإنساني؛ عُدْنا إليها؛ لكن عودةً مختلفة المحتوى، وتمثل درجة أعلى في "السلَّم الحلزوني (اللولبي)" لتطور الاتصال (أو التواصُل) الإنساني؛ عُدْنا إليها؛ لكن مع استبقاء (والمحافَظَة على) كل ما هو "إيجابي"، و"مفيد"، و"ضروري، في "طور الانفصال"؛ وكأنْ لا مهرب، ولا مفر، من هذا "المُركَّب الهيجلي"، الذي فيه، وبه، تندمج وتتحِد العناصر الإيجابية في "الطوْرين السابقين المتناقضين".

 

Email