إضاءة

محركات الثورات العربية

ت + ت - الحجم الطبيعي

بينما انتهى عصر الثورة في العالم وبدأ عصر الدولة بعد الحرب العالمية الثانية، كان استمرار الوجود الاستعماري في المنطقة العربية سببا في تفجر العديد من الثورات العربية التحررية.

وشهدت الأمة العربية ما يمكن أن يطلق عليها الحقبة الثورية، بداية بثورة يوليو المصرية في عام 52 وانتهاء بثورة سبتمبر الليبية عام 69، تفجرت فيها عدة ثورات في أكثر من بلد عربي، كرد فعل للحقبة الاستعمارية، سواء بشكل الاحتلال السافر أو بالأحلاف والقواعد العسكرية للسيطرة السياسية والاقتصادية، وكان المحرك الرئيسي لها جميعا هو تحقيق الاستقلال السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

ولأن مصر في موقع الشقيقة الكبرى للدول العربية، فقد ارتبط دورها الإقليمي الكبير في عهد الثورة المصرية بالقضايا العربية في التحرير والتنمية والوحدة، فانتقلت بمصر من واقع مسؤوليتها القومية إلى كل قضية تحرير عربية، تدعم المقاومين ضد المستعمرين، وتمد يدها إلى أيدي المناضلين الأحرار لرفع رايات الحرية والاستقلال على امتداد الوطن العربي.

وكانت أولى تحركات الثورة المصرية وواحد من أبرز أدوارها بعد عامين من قيامها، هي مساندتها المادية والمعنوية لانطلاقة الثورة الشعبية التحريرية الجزائرية بقيادة جبهة التحرير الوطني الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي، حتى أن البيان التاريخي لانطلاقها بصوت زعيمها التاريخي المناضل أحمد بن بيللا قد انطلق من إذاعة صوت العرب في القاهرة في الفاتح من نوفمبر عام 1954، وقد استمرت ثورة المليون شهيد حتى انتهت بالنصر بإعلان الاستقلال، في الثاني من يوليو عام 1962.

وكانت هذه المساندة المصرية سببا في المشاركة الفرنسية مع بريطانيا وإسرائيل في العدوان الثلاثي على مصر في أكتوبر عام 1956 بعد عامين من انطلاق الثورة الجزائرية، في محاولة لإسقاط الثورة المصرية ولإجهاض الثورة الجزائرية، لكن فشل العدوان لتواصل الثورة العربية مطاردة الوجود الاستعماري، ليس في الوطن العربي فقط ولكن على امتداد القارة الأفريقية.

وبعد عامين فقط، وبدفع المد القومي العربي قامت الوحدة المصرية السورية بإعلان الجمهورية العربية المتحدة في الثاني والعشرين من فبراير عام 1958، ترجمة لواحد من أبرز الأهداف القومية للقضاء على الاستعمار وعلى التجزئة التي صنعها هذا الاستعمار في الوطن العربي، ولإعادة تحقيق الوحدة العربية أمل الشعوب العربية من الخليج إلى المحيط.

لتدخل الثورة العربية في مرحلة جديدة من التحديات ضد المحاولات الاستعمارية، بتوجيه الضربات وتلقي الضربات المضادة، فكانت معركة رفض الأحلاف العسكرية للهيمنة على الشرق العربي والإسلامي، وأبرزها حلف بغداد، لتصحو الدوائر الاستعمارية بعد عامين من فشل العدوان الثلاثي، على تفجر الثورة العراقية في بغداد في الرابع عشر من يوليو عام 1958 ليفشل حلف بغداد، بعد أن أصبح بعد الثورة العراقية بلا بغداد !

ليكون الرد الاستعماري على الوحدة المصرية السورية التي وضعت إسرائيل بين فكي الكماشة كما وصفها بن جوريون، بتدبير مؤامرة الانفصال في الثامن والعشرين من سبتمبر عام 1961، لكن الرد الثوري العربي جاء دون تأخير في العام التالي بقيام الثورة اليمنية في السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962 وإعلان الجمهورية العربية اليمنية لتطارد الوجود الاستعماري الانجليزي في الجنوب اليمني المحتل، أي بعد شهرين من انتصار الثورة الجزائرية وإعلان الاستقلال في يوليو من العام نفسه، بما مثل انتصارا واضحا للقوى الثورية العربية وهزيمة موجعة للقوى الاستعمارية الغربية.. وبقيت المواجهة مستمرة.

كاتب مصري

mamdoh77t@hotmail.com

Email