المشكلة القبرصية.. عوامل الأزمة وبوادر الحل ، بقلم: خورشيد دلي

ت + ت - الحجم الطبيعي

قد لا يكون من قبيل الصدفة ان تتزامن الجولة الثالثة من المفاوضات المتعلقة بايجاد حل نهائي للمشكلة القبرصية, مع الذكرى السادسة والعشرين لاجتياح القوات التركية للقسم الشمالي من الجزيرة. حيث طلب الامين العام للامم المتحدة كوفي عنان الذي يرعى هذه المفاوضات من زعيمي الطرفين القبرصيين: جلا فكوس كليريدس ورؤوف دنكتاش عدم السماح بحدوث اي شيء من شأنه تأجيج التوتر في هذه الذكرى, ضمانا لنجاح المفاوضات الجارية في جنيف رغم تأجيلها لمدة عشرة ايام. وترجع المشكلة القبرصية الى بداية عام 1878 عندما انتقلت الجزيرة الى السيادة البريطانية بموجب اتفاق خاص بين بريطانيا والدولة العثمانية بعد ان كانت تتبع للأخيرة منذ عام 1517, ثم تخلت تركيا عن كل حقوقها في الجزيرة بموجب معاهدة سيفر عام 1920, وبقيت تحت السيطرة البريطانية حتى عام 1960, اي مع الاعلان عن استقلال قبرص وتعيين الاسقف مكاريوس اول رئيس لها. الا ان الجزيرة التي يشكل اليونانيون فيها نسبة ثمانين في المئة من السكان والاتراك نحو عشرين في المئة ظلت موضع جذب وخلاف بين اليونان وتركيا لاسباب تتعلق بالصراع والدور الاقليمي لكل منهما. وتعقدت المشكلة اكثر عندما اجتاحت القوات العسكرية التركية في 20 يوليو عام 1974 الجزيرة واحتلت القسم الشمالي منها, الذي تقدر مساحته بنحو 38 في المئة من مساحة الجزيرة ويحتوي على سبعين في المئة من الموارد الطبيعية فيها. وقد اعلن القبارصة الاتراك في عام 1983 عن قيام (جمهورية شمالي قبرص التركية ولم يعترف بها احد سوى تركيا بل اصدر مجلس الامن الدولي القرار رقم 541 الذي اعتبر الجمهورية الجديدة غير شرعية) . ورغم المبادرات الدولية العديدة التي طرحت بهدف ايجاد حل سلمي للمشكلة, الا ان جميعها اصطدمت بالابعاد اليونانية والتركية للنزاع, ومع موافقة الاتحاد الاوروبي خلال قمة بروكسل عام 1997 على قبول قبرص مرشحة للانضمام الى عضوية الاتحاد سارعت تركيا الي توقيع معاهدة الاندماج مع جمهورية شمالي قبرص التركية, وهكذا بقيت الجزيرة القبرصية عامل توتر ونزاعا متجددا في العلاقات التركية ـ اليونانية حيث كثيرا ما وصل الخلاف بينهما الى حد الاعلان عن الحرب. مستجدات النزاع مع اعلان الاتحاد الاوروبي خلال قمة هلسنكي موافقته على قبول تركيا مرشحة لعضوية الاتحاد, بدا الموقف التركي وكأنه يميل الى المهادنة حيال وضع القبارصة الاتراك, وقد تزامن هذا التطور في الموقف التركي مع مفاوضات دقيقة وحذره بين الجانبين القبرصيين برعاية الامم المتحدة, حيث وفرت الجولتان السابقتان من المفاوضات (الاولى في نيويورك خلال ديسمبر عام 1999 والثانية في جنيف خلال فبراير من عام 2000) ارضية تعتقد الامم المتحدة انها ستمهد لحدوث اختراق على صعيد تحقيق التسوية بين الطرفين في نهاية الجولة الثالثة بالرغم من التصريحات التشاؤمية ولعل تسريب الاقتراحات الخاصة بالجولة الثالثة الى الصحافة يعد بمثابة جس نبض الشارع حيال التوصل الى اتفاق بين الجانبين. وبالرغم من هذه الاجواء فإن الطرفين يتمسكان بمطالبهما القديمة الجديدة التي كانت على الدوام سببا في اخفاق المفاوضات السابقة, اذ يطلب الجانب التركي الاعتراف بالجمهورية القبرصية التركية التي اعلنت عام 1983 ويشترط ذلك بإقامة اتحاد كونفيدرالي في قبرص او اتحاد بين جمهوريتين مستقلتين, في حين يتمسك الجانب اليوناني بوحدة قبرص على اساس اقامة فيدرالية من مجموعتين (وليس جمهوريتين) دون الاعتراف بجمهورية قبرص التركية ويطالب بضرورة تسوية المشكلات الناجمة عن الوجود العسكري التركي في الجزء الشمالي من الجزيرة, كالأمن والاملاك وعودة المهجرين.. عوامل الحل وبالرغم من تعارض مطالب الجانبين, فإن المراقبين يعتقدون ان الاجواء او الظروف تبدو اكثر ملاءمة للتوصل الى تسوية بين الجانبين, وذلك لعوامل واسباب كثيرة منها: الحوار الايجابي بين اليونان وتركيا في الفترة الاخيرة. تصميم المجتمع الدولي على ضرورة ايجاد حل سلمي للمشكلة القبرصية, ويبرز هذا التصميم من خلال السعي المتواصل للامم المتحدة ومبادرات السلام التي اقترحتها فضلا عن المبادرات الامريكية والبريطانية. المناخ الايجابي الذي احدثته قرارات الاتحاد الاوروبي بالموافقة على ادراج قبرص وتركيا في قائمة الدول المرشحة للعضوية الاوروبية, حيث يوحي هذا المناخ بانتقال المشكلة القبرصية من النفق الثنائي (التركي ـ اليوناني) للنزاع الى رحاب الاتحاد الاوروبي الذي سيضم جميع اطراف النزاع. اقتناع القبارصة انفسهم سواء في الشمال او في الجنوب, بضرورة التوصل الى حل لمشكة تقسيم الجزيرة والتي انعكست على الجانبين بنتائج في غاية السلبية. تبدل الموقف التركي بعد قبول ترشيح تركيا في قائمة الدول المرشحة للعضوية الاوروبية, اذ اختفت لهجة التهديد التركية بضم الجزيرة, مقابل التأكيد على الحل السلمي لتسوية المشكلة بغية الانضمام الى عضوية الاتحاد. في ظل هذه العوامل المشجعة, واستمرار المفاوضات, يمكن القول ان تسوية المشكلة القبرصية باتت ممكنة, خصوصا في ظل بروز اهتمام لدى الجانب التركي في التعامل مع الصيغة التي طرحتها الامم المتحدة والجانب اليوناني بإقامة فيدرالية من منطقتين او مجموعتين. * كاتب سوري

Email