مقال

الذكاء الجمعي وتشكيل الحكومات المستقبلية

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تشهد الطريقة التي يسير بها عالمنا الكثير من التغيرات. فقد أصبحت حكومات الشرق الأوسط قادرة على التواصل مع مجتمعاتها بشكل مباشر أكثر من ذي قبل، ولو بدرجات متفاوتة، مما يمكّنها من الاطلاع على مطالب الناس واكتشاف السبل التي يريدون عيش حياتهم بها واستبيان المزاج العام للشعوب.

بفضل منصات التواصل الاجتماعي والمنتديات الإلكترونية وبوابات المعلومات الحكومية، ومن خلال أشكال التواصل الإلكتروني المباشرة أكثر من غيرها مثل البريد الإلكتروني، باتت الفرصة سانحة اليوم أمام الحكومات العربية لفهم أنماط المشاعر الاجتماعية والاستناد إلى هذه المعرفة عند اتخاذ قراراتها المتعلقة بصنع السياسات.

ما القنوات الخمس للذكاء الجمعي؟ للإجابة عن هذا التساؤل، تنبغي الإشارة إلى القنوات الخمس لتبادل المعلومات.

قناة الذكاء الجمعي #1: تجمع الحكومة البيانات من السكان من خلال تحليل المشاعر التي يعبّرون عنها بشكل طبيعي عبر منصات التواصل الاجتماعي.

قناة الذكاء الجمعي #2: تدعو الحكومة المواطنين للتعبير عن آرائهم بشكل فاعل من خلال المشاركة في استطلاعات عبر شبكة الإنترنت وعبر غيرها من وسائل تقديم التغذية الراجعة.

قناة الذكاء الجمعي #3: تستخدم الحكومة بيانات قطاع الأعمال حيث توافق الشركات على تقديم معلومات مفيدة عن عملياتها.

قناة الذكاء الجمعي #4: تستحصل الحكومة على البيانات الآلية باستخدام الأجهزة والمستشعرات بتقنية «إنترنت الأشياء» لرصد كافة الأمور، من جودة الهواء إلى كمية الطاقة التي تستهلكها أعمدة الإضاءة في الشوارع.

قناة الذكاء الجمعي #5: تربط الحكومة كافة تدفقات المعلومات مع المؤشرات الاقتصادية الأوسع ومصادر البيانات المفتوحة وربما أيضًا مع المعلومات البيئية، مما يسهم في تحديد المسارات المستقبلية.

في حال قررت الحكومات العربية تبني قنوات المعلومات هذه، ستتمكن حينها من فهم مزاج شعوبها بشكل أفضل من أي وقت مضى. كما سيمكن لهذه الحكومات - وعلى مستويات أكثر تطورًا - استخدام خوارزميات ونماذج التعلم الآلي من أجل اعتماد الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرارات التي تصوغ السياسات العامة. ولكن هذا لا يعني أن هذه القنوات ستحلّ مكان الموظفين الحكوميين، بل إنهم ستوفر لهم المزيد من الأدوات لأداء عملهم بشكل أفضل.

هنك نماذج من الذكاء الجمعي.. على سبيل المثال، إذا تعذّر على النظام الصحي في لبنان اكتشاف الارتفاع في مستوى الإصابات بعدوى تصيب الجهاز التنفسي، يستطيع الذكاء الجمعي أن يدق جرس الإنذار باكرًا. وسيمكّن ذلك المستشفيات من الاستعداد لتلبية الحاجات المستقبلية مثل تخصيص أماكن لعزل الفيروس أو تخزين الأدوية المعالجة. وكانت منظمة الصحة العالمية قد أفادت بأن مستشفى رفيق الحريري الجامعي في بيروت مجهّز جيدًا لمواجهة تفشي إنفلونزا الطيور والإنفلونزا الوبائية، إلا أن أدوات الذكاء الجمعي استطاعت التنبؤ بذلك بدقة أكبر.

كما أطلقت فنلندا مشروع «الوزارة المفتوحة» بين عامي 2011 و2015، وقد أسهم في تحويل الأفكار المجمعة من المواطنين إلى تشريعات. وفي آيسلندا، أسهمت مبادرة «ريكيافيك أفضل» التي أطلقتها المنظمة غير الربحية «مؤسسة المواطنين» بتمكين مجموعات متعددة من التعاون معًا في التوصل لأفكار لتطوير المدينة وخدماتها. كذلك في الإمارات، أشار تقرير ابتكارات الحكومات الخلاقة إلى أن الذكاء الجمعي «سيمكّن الجميع تقريبًا من المشاركة في عمليات صنع القرارات العامة».

ويلفت جيوف مولغان الانتباه في كتابه «العقل الكبير Big Mind» إلى «الحاجة إلى تجمعات جديدة يمكنها توجيه الذكاء الجمعي العالمي لخدمة مهام عالمية بدءًا من مواجهة التغير المناخي إلى تفادي الأوبئة، مرورًا بحلّ مشاكل البطالة وتحديات الشيخوخة».

على الرغم من ذلك، ستبقى التغذية الراجعة المُقدمة وجهًا لوجه أكثر أهمية من أي نوع آخر من التقييمات الرقمية ضمن العديد من الميادين في الدول الشرق أوسطية النامية. لذا، لا بدّ للدول العربية الثرية أن تستوعب أن هذا النوع من الذكاء المُؤتمت ليس بديلاً غير مشروط للتفاعل الإنساني.

اللجوء للمواطنين واستخدام الحيوانات للاستشعار

في الوقت الذي نعتاد تدريجيًا على فكرة مساهمة المواطنين في الاستشعار وتوجيه الحكومات، سيبدأ المزيد منّا بالقبول بالذكاء الجمعي كجزء طبيعي من حياتنا.

في دولة بيرو بأميركا الجنوبية، تم تركيب كاميرات من طراز GoPro مزودة بتقنية نظام التموضع العالمي «جي بي أس» على طيور النسور للمساعدة على تحديد أماكن إلقاء النفايات غير المشروع. فالنسور تحب النفايات وتُعتبر من الأمور المفضلة لديها، لذا من المنطقي «الاستفادة» من ذكاء النسور وإدماجها في خلية الذكاء الجمعي التي نصممها. وفي دولة تشاد بأفريقيا الوسطى، تم تركيب أجهزة استشعار للكلاب تستخدم تقنية أنترنت الأشياء من أجل تتبع الأمراض. أمّا المملكة المتحدة فلجأت إلى طيور الحمام من أجل رصد تلوث الهواء.

لقد وضعت كافة الحكومات التقدمية في الشرق الأوسط هذه الابتكارات - أو شكلاً من أشكالها - على خارطة طريقها. وعلى الرغم من أننا قد لا نبدأ بالاستعانة بالجمال للتحقق من مستويات رطوبة الهواء ودرجات الحرارة بحلول العام المقبل، إلا أننا سنشهد كيف ستتم هندسة هذه التقنيات بدقة حتى تصبح جزءًا من أسلوب حياتنا.

أنت على طريقك لتصبح مواطنًا مستشعرًا لصالح حكومتك العربية - للفترة التي تريدها - وهذا يعزز من أهميتك لأن العالم يزداد ذكاءً بفضل المعلومات التي تساعد أنت بمشاركتها. أحسنت صنعًا!

أدريان بريدغوتر - باحث اجتماعي

 

Email