«مجنون الزجاجات» يبني منازل حديثة وصحية

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

شاب يستخدم الزجاجات البلاستيكية المعبأة بالرمال لبناء منازل مستدامة لمواطني بلده، وقد اشتهر سابقاً في أرجاء مخيم اللاجئين الذي عاش فيه بـــ«مجنون الزجاجات»، وإذ ذاع صيت المستودعات الإبداعية التي يبنيها «تاتح بركة»، فأصبح بركة سريعاً، وليس مجنوناً، كما رآه الآخرون في بداية الأمر.

إن تحسين حياة الأعداد المتزايدة من النازحين والتعامل مع سيل النفايات البلاستيكية التي تملأ المحيطات يعد من أكبر التحديات العالمية المعاصرة. ومن الممكن أن يكون رجل واحد جزءاً من الحل لكليهما- بعد أن اكتشف طريقة لتوفير المسكن وحياة أفضل للاجئين عن طريق بناء منازل من الزجاجات البلاستيكية المعبأة بالرمال.

يقول بركة، البالغ من العمر 28 عاماً والذي وُلد وترعرع في أحد هذه المخيمات: «نعيش في ظروف قاسية للغاية، إذ يمكن أن تصل درجة حرارة الطقس إلى 50 درجة مئوية، ويمكن للأمطار أن تُدمر المنازل الطينية، إضافة إلى العواصف الرملية القوية التي يمكنها قذف أسقف الزنك التي تغطي المنازل بعيدًا. كان ذلك حافزاً كبيراً لي؛ لأنني عشت في هذه الظروف بنفسي». وبعد دراسته للحصول على درجة الماجستير في مجال كفاءة الطاقة من جامعة غران كناريا الإسبانية، توصل بركة إلى فكرة ملء الزجاجات البلاستيكية بالرمال وتجميعها لبناء جدران للمساكن على غرار البيوت المستديرة.وبدلًا من الملاط (مونة الأسمنت)، استخدم بريكة مواد عازلة مقاومة للحرارة، مثل القش ونشارة الخشب والجير والأسمنت المخلوط برمال جُمعت من واد مجاور، وتمت تجربتها على الأسطح الطينية أو اللبنية. وتم الحصول على جميع المواد من مصادر محلية لبناء منازل ذات تأثير طفيف من ناحية الموارد، مع ميزة إضافية هي استخدام الزجاجات البلاستيكية المهملة.

تحول البلاستيك ذي الاستخدام الواحد إلى قضية طارئة ومتنامية عالمياً، إذ أشارت تقارير صدرت العام الماضي إلى أن المحيطات ستحتوي على بلاستيك أكثر من الأسماك بحلول عام 2050، لكن بالنسبة للاجئين، لا يعد البلاستيك ذو الاستخدام الواحد خياراً بل ضرورة في أغلب الأحيان لتجنب الإصابة بالأمراض.

وأوضح بركة: «الزجاجات البلاستيكية ليست المصدر الوحيد للمياه في المخيمات، إذ توجد طرائق أخرى لتوزيع المياه، ولكنها لا تُعامل بصورة جيدة عموماً؛ ولذلك يشتري الناس المياه في زجاجات بلاستيكية».

ويُعد الهيكل الدائري للمنازل أقوى من المنازل التقليدية ذات الهيكل المربع، وأفضل في قدرته على تحمل الرياح العنيفة والعواصف الرملية. وتكون اللمسة النهائية بطلاء المنزل بطبقة بيضاء رقيقة لتعكس حرارة الصحراء، كما تُعد هذه المنازل أسرع في بنائها من المنازل الطينية التقليدية.

وقال بركة: «تتم عملية ملء الزجاجات يدوياً في أغلب الأحيان. في بعض الحالات، طورنا بعض الأجهزة لمساعدتنا في ملء الزجاجات بشكل أسرع».

أحد هذه الأجهزة كان إطار سيارة قديمة، إذ تُوضع الزجاجات في الفجوات التي توضع بها مثبتات الإطار، ثم تُسكب الرمال مباشرة في حوض الإطار، لتملأ زجاجات عدة في آن. وبمساعدة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، استطاع بريكة تدريب رفاقه وتمكنوا من بناء 25 منزلاً.

وقال بركة: «نحتاج إلى 6000 زجاجة بلاستيكية لبناء منزل واحد، ويمكن للفرد الواحد ملء ما يقرب من 100 زجاجة في الساعة. لديّ نحو أربعة أشخاص يساعدونني في ملء الزجاجات؛ وبالتالي يمكنني الحصول على العدد اللازم منها تقريباً خلال يومين، وهذا بصرف النظر عن نقلها إلى موقع البناء. نملأ الزجاجات البلاستيكية فقط بالرمال المتاحة في المنطقة».

وقد سجل عدد النازحين في جميع أنحاء العالم رقماً قياسياً خلال العام الماضي، فبحسب المنتدى الاقتصادي العالمي، يوجد حالياً لاجئ واحد من بين كل 113 إنساناً.

وأصبح مصير هؤلاء الذين فروا من الصراع الدائر في سوريا هو الخبر الأبرز عن اللاجئين خلال السنوات الأخيرة، ليجلب معه صورة للاجئين كونهم أشخاصاً مهاجرين، وفي حالات عدة، يفرون إلى مستقبل أفضل بفضل حركة الترحيب باللاجئين التي انتشرت في جميع أنحاء أوروبا.

ويطمح بركة إلى إيجاد طريقة لبناء المزيد من المنازل للمواطنين المتواجدين في المخيمات والبالغ عددهم 165 ألف شخص، ولكنه أقرّ بأنها ستكون مهمة شاقة على شخص واحد دون تمويل.

وقال بركة: «أعلم أنه تحد كبير، ولكن الإرادة موجودة، وإذا كان هذا التصميم يمكنه تخفيف المعاناة، إذاً سأستمر في بناء وتحسين تصميم منازل الزجاجات البلاستيكية. وتتمثل الفكرة في إيجاد حل بتكلفة أقل وطاقة نظيفة. لديّ حلم كبير لبناء المنازل وتطوير التصميم ليس فقط لمواطني بلدي، بل في جميع أنحاء العالم أيضاً».

وخلال المراحل الأولى من مشروعه، اكتسب بركة لقب «مجنون الزجاجات»، وأسهمت نتائج مجهوداته في تحول السخرية من أعماله البطولية إلى إعجاب.

وقال بركة: «كان ذلك في البداية؛ لأن بناء منازل من الزجاجات البلاستيكية كان فكرة مجنونة- بالنسبة للناس- ولكن الآن يبدي الجميع إعجابه ويصفق للنتائج ويفتخر بها؛ لقد أدركوا أنني عاقل للغاية».

* باحثة اجتماعية

Email