غضب روسي واستنكار عربي وتأييد أوروبي لقصف السودان وأفغانستان: أمريكا تهدد بشن هجمات جديدة، الخرطوم تشكو لمجلس الامن وتسحب بعثتها الدبلوماسية من واشنطن

ت + ت - الحجم الطبيعي

هددت واشنطن امس بشن المزيد من الغارات على ما تعتبره معاقل للارهاب بتطوير خطط طوارئ الى هجمات جديدة بينما حذرت الخرطوم الولايات المتحدة من الاقدام على شن ضربة جديدة ضده . واطلقت الغارات الامريكية على السودان وافغانستان الليلة قبل الماضية, موجة من ردود الفعل عبر العالم واستدعى السودان بعثته من امريكا واغلق أجواءه امام طائراتها, كما بدأ تحركا في مجلس الامن الدولي لعقد جلسة طارئة لبحث الغارات عليه, في حين شددت امريكا اجراءات الامن حول المطارات والمباني العامة في نيويورك خصوصا, وأجلت تقديم توضيحات الى مجلس الامن حول الغارات, وقالت ان نتائج الغارات لن تعرف قبل أيام قليلة. وقدمت افغانستان اول حصيلة للهجمات عليها قائلة انها اوقعت 26 قتيلا و 40 جريحا, وكانت ردود الفعل العالمية على الغارتين متباينة الى حد كبير بين التأييد والتنديد والصمت, اذ أيدت دول أوروبا الخطوة الامريكية , واشادت اسرائيل بها قائلة انها ساعدت امريكا في توجيهها بينما ردت روسيا بغضب عليها, وجرت مظاهرات صاخبة في كل من السودان وافغانستان وليبيا وباكستان وبنجلادش وفلسطين للتنديد بالقصف الأمريكي. فقد اعلن الرئيس السوداني عمر البشير سحب البعثة الدبلوماسية من واشنطن وتقديم شكوى عاجلة الى مجلس الامن الدولي اثر الهجمات الامريكية التي استهدفت مصنع (الشفاء) للأدوية الواقع في الخرطوم بحري. واوضح البشير ان الهجوم الامريكي (تم بواسطة اربع طائرات قصفت مصنع الشفاء بسبعة صواريخ من طراز توماهوك) وذلك خلافا لما اكدته واشنطن بانها هاجمت الخرطوم بصواريخ توماهوك عابرة انطلقت من سفن متمركزة في البحر الاحمر وبحر العرب. وقال ان (ستة من هذه الصواريخ اصابت المصنع ودمرته تماما بينما سقط السابع خارج المصنع) . واوضح الرئيس السوداني ان الغارة استغرقت (12 دقيقة) وان الطائرات التي قامت بالهجوم (هي قاذفات بي 11) تنطلق عادة من قواعد ارضية, موضحا انه تم تشكيل فريق (لفحص مخلفات الصواريخ وتحديد نوعها) . وقال بيان للقيادة العامة ان الطائرات الامريكية رصدت قبل الهجوم فوق مدينة بربر التي تبعد حوالي 460 كيلومترا عن الخرطوم شمالا, حيث كانت تحلق على ارتفاع منخفض بمحازاة النيل بعد ان شوشت على اجهزة الرادار. ومن جانبه, اكد وزير الطيران السوداني حامد علي نوري لـ (البيان) ان طائرة امريكية من طراز (سي 141) انطلقت من نيروبي قامت بتضليل أجهزة المراقبة السودانية, اذ تم رصدها جنوب الخرطوم نحو الساعة 7.23 ووصلت الخرطوم الساعة 7.40 دقيقة, قبل ان تواصل سيرها شمالا باتجاه مصر حيث رصدت في مروى شمال الخرطوم عند الساعة 8.03 وقال نوري ان هذه الطائرة المضللة اعقبتها طائرات قاذفة اخرى قامت بالاغارة على مصنع الشفاء, مشيرا الى ان هذه الطائرات كانت تحلق على مستوى منخفض يقل عن 13 مترا فوق سطح البحر. واعلن الوزير عن اغلاق الاجواء السودانية امام الطائرات الامريكية سواء اكانت مدنية او عسكرية او اغاثية, محذرا من أن اي طائرة امريكية تحلق فوق الاجواء السودانية سيتم اسقاطها على الفور, مشيرا في هذا الخصوص الى ان بلاده كانت اعطت اذنا بمرور الطائرات الامريكية فوق اجوائها لنقل جرحى انفجار السفارتين الأمريكيتين في نيروبي وتنزانيا. وتضاربت المعلومات أمس حول حصيلة قصف مصنع الشفاء للدواء الذي يوصف بأنه الأكبر في افريقيا والعالم العربي والمملوك ملكية خاصة, إذ أعلن مسؤول كبير بالمصنع لـ (البيان) بالهاتف وفاة أحد عمال المصنع واصابة 18 آخرين بجروح معظمهم من العمال. وأشار المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه ان المصنع تلقى ستة صواريخ دمرت المصانع الأربعة التي يضمها الشفاء فضلاً عن مبنى الادارة, مؤكدا ان كافة المنشآت دمرت بالكامل. وأشار الى ان مصنعاً آخر للحلويات أصيب بأضرار وان الخسائر تقدر بحوالي مائة مليون دولار. وقال المسؤول ان ادارة المصنع تنوي رفع قضية امام محاكم أمريكية ضد الولايات المتحدة كما ان العاملين بالمصنع ينوون رفع قضية مماثلة, مشيرا الى ان الادارة بدأت بالفعل اتصالات مع محامين لتحريك القضية. وكان رجال الانقاذ لا يزالون يعملون على إزالة الأنقاض المختلطة بزجاجات الأدوية والأنابيب من موقع المصنع الذي كان الدخان لا يزال يتصاعد كثيفًا منه في المساء, رغم ان رجال الاطفاء كانوا تمكنوا فجر الجمعة بمساعدة الأمطار الغزيرة من إخماد الحريق الذي شب فيه. وكشف العميد الدكتور محمد عبد الرحيم مدير ادارة الأدلة الجنائية بالمباحث المركزية والذي يرأس لجنة تحقيق حكومية حول الغارة عن حدوث تسرب كيماوي من المصنع, بسبب وجود مواد كيماوية دوائية خاصة بتصنيع الأدوية, وحذر من ان هذا التسرب مضر بالصحة وبالبيئة. وزار البشير ورئيس البرلمان حسن الترابي وسفراء أجانب موقع المصنع الذي تدفق السودانيون عليه للتعبير عن غضبهم, لكن الشرطة منعتهم من الاقتراب بعد ان ضربت حزاما حول المصنع وكانت الخرطوم شهدت اثر القصف تظاهرة كثيفة اقتحم المشاركون فيها سور السفارة الأمريكية المقفلة منذ اعتدائي نيروبي ودار السلام وأحرقوا العلم الأمريكي قبل ان تسيطر قوات الأمن على الموقف, وتطرد المقتحمين من السفارة وأمامها. وأحرق آلاف المتظاهرين العلم الأمريكي في الخرطوم ظهر أمس احتجاجا على الهجوم الأمريكي. وقال البشير للمتظاهرين في المظاهرة التي نظمت بعد صلاة الجمعة ان الرئيس كلينتون لا يصلح أن يكون حارسا على المصنع الذي دمره الأمريكيون. ولم تكن هناك اشارات على ذعر في الخرطوم, ونصحت السفارة البريطانية مواطنيها بعدم القيام برحلات غير ضرورية بالبلاد كما نصحت من يفكر في السفر إلى السودان بإعادة النظر في ذلك. وفي أفغانستان, أفادت مصادر أفغانية ان الغارات الأمريكية اوقعت 26 قتيلاً ونحو 40 جريحا وقال المتحدث باسم طالبان ان الغارات أوقعت 21 قتيلاً و30 جريحا مشيرا الى انها استهدفت كذلك مدينة جلال أباد وهو ما نفاه الأمريكيون. وتراجعت باكستان أمس عن بيان رسمي سابق جاء فيه ان ستة باكستانيين قتلوا في سقوط صاروخ أمريكي عابر عن طريق الخطأ في الأراضي الباكستانية خلال القصف الأمريكي, وقال ناطق باسم الخارجية الباكستانية ان البيان اعتمد معلومات خاطئة, وشدد على انه لم يسقط أي ضحايا أو أضرار في الأراضي الباكستانية. وفي واشنطن قال وزير الدفاع الأمريكي وليام كوهين امس من الممكن ان تشن الولايات المتحدة هجمات أخرى. ولدى سؤاله عن امكانية شن المزيد من الهجمات قال كوهين للصحفيين (هذا احتمال دائم, لدينا خطط طوارئ نطورها وربما يكون هناك المزيد في المستقبل) . وفي بغداد حذر وزير الخارجية السوداني مصطفى عثمان اسماعيل أمس الجمعة الولايات المتحدة من ان ضربة جديدة ضد السودان لن تمر دون عقاب. والتزمت الولايات المتحدة الصمت إزاء تدمير مصنع الأدوية, واكتفت باعطاء تقديرات لنتائج الغارتين قائلة انهما أحدثتا خسائر متوسطة إلى ثقيلة في البلدين, وسعى الأمريكيون لتصوير الغارتين بوصفهما تهدفان لتوصيل رسالة رمزية أكثر من إحداث أضرار, وأكدت وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت على هذا الأمر. بيد ان ساندي بيرجر مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي قال ان تقييم نتائج الضربات الأمريكية (لن يعرف قبل أيام قليلة بسبب الأحوال الجوية) . لكن بيرجر اعتبر في مقابلة مع محطة (سي. ان.ان) ان الصواريخ العابرة الـ 5_ التي أطلقت من سفن حربية أمريكية (ألحقت أضرارا جسيمة) في مصنع الأدوية المستهدف في السودان الذي كرر الزعم بانه (مصنع أسلحة كيميائية) . واكد بيرجر ان الرئيس كلينتون اتصل بعدد من نظرائه ليطلب منهم (الانضمام الى عملية مكافحة الإرهاب) . وشدد بيرجر على ان (الكثير منهم أشادوا بعزمنا وتصميمنا وبشكل عام منحونا دعمهم) . وردا على سؤال حول ما إذا كان كلينتون طلب منهم مثلاً تجميد ودائع المنظمات المرتبطة بالإرهاب قال بيرجر (هذا احتمال بالتأكيد) . وأشار بيرجر الى ان الولايات المتحدة (لم تتلق تهديدات جديدة محددة) ضد مصالحها منذ توجيه هذه الضربات. غير ان اجراءات الأمن شددت بشكل واضح في مطارات نيويورك وحول المباني العامة بالمدينة لبحث الغارات الأمريكية. وكان مجلس الأمن عقد اجتماعاً أمس حول موضوع غير مرتبط بالغارات, وكان يفترض ان يستمع الى تقرير من الولايات المتحدة حول غاراتها الا ان هذه الأخيرة ما لبثت أن غيرت رأيها وقررت تأجيل الموضوع إلى وقت لاحق. وقال رئيس مجلس الامن السوفييتي دانيلو تورك ان وفد السودان لم يتصل به طالبا عقد جلسة, الا ان مصادر قالت ان السودان يتحرك لطلب عقد اجتماع رسمي لمجلس الامن. ومن المنتظر ان يعقد ممثلو منظمة المؤتمر الاسلامي اجتماعا في وقت لاحق بناء على طلب السودان. وقد اعلن السفير السوداني في موسكو ان بلاده تسعى الى الحصول على دعم موسكو في الامم المتحدة. وكان مجلس الدوما الروسي أدان بشبه اجماع الضربات الامريكية لافغانستان والسودان, فيما ابدى الرئيس الروسي بوريس يلتسين امتعاضه من عدم مشاورة الولايات المتحدة له قبل الغارات, ودعا الى اجراء مفاوضات تشمل الجميع لكن الرد الامريكي جاء سريعا اذ قال البيت الابيض ان امريكا لن تتفاوض مع الارهابيين. وتباينت ردود الفعل الاخرى بشكل كبير اذا حصلت امريكا على دعم واضح من دول الاتحاد الاوروبي ومن الدانمارك بينما استنكرت الجامعة العربية الضربات على السودان بوصفها خرقا صارخا للاعراف الدولية واستنكرت منظمة الوحدة الافريقية سقوط ضحايا, لكنها احجمت عن ادانة هذا العدوان. وانتقدت مصر ضمنا الضربات الامريكية, مؤكدة انه ينبغي ان يناط بمجلس الامن الدولي قرار التعامل مع الارهاب ومعالجته, في حين اعتبر الاردن العدوان الامريكي غير مقبول. وحرق طلاب باكستانيون الاعلام الامريكية في شوارع اسلام اباد في حين قاد الزعيم الليبي معمر القذافي بنفسه مسيرة مناهضة للولايات المتحدة في شوارع طرابلس. وخرب الاف المتظاهرين مكتب الامم المتحدة في جلال اباد. وحذر خبراء عسكريون في الشرق الاوسط من ان الهجمات الامريكية أثارت حفيظة ما يسمون بالارهابيين الذين استهدفتهم واشنطن وحلفاؤها وقد يتعرضون لردود. وربما يكون ذلك قد بدأ بالفعل, حيث اصيب اثنان من عمال الاغاثة التابعين للامم المتحدة بالرصاص في كابول في رد واضح على الهجمات الامريكية.

Email