فرص الاستثمار في الغابات المدارية

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تُعَد بورتوريكو موطناً لواحدة من أكثر الأدوات المتاحة في جهود مكافحة تغير المناخ كفاءة واقتصاداً: الغابات المطيرة. فعلى الطرف الشرقي للجزيرة تقع غابة إل يونك الوطنية التي تبلغ مساحتها نحو 29 ألف فدان، وهي من أهم النظم الطبيعية في منطقة الكاريبي لاحتجاز وتخزين الكربون، وقد دمر إعصار ماريا الغابة أيضاً. لكن الرؤساء التنفيذيين لشركات التكنولوجيا لم يرسلوا التغريدات حول استعادة ذلك المورد، لأنهم في الوقت الراهن لا يرون نموذجاً تجارياً قابلاً للتطبيق لإنقاذ الأشجار.

ولكن ماذا لو كان مثل هذا النموذج موجوداً بالفعل؟ ماذا لو كانت هناك بعض الطرق لجعل الغابات المدارية أقرب إلى الحياة من الموت؟

ظل قادة العالم يتأملون هذه المسألة سنوات. وفي إطار محادثات الأمم المتحدة المناخية، توصلوا إلى حل جديد: مبادرة تسمى «الحد من الانبعاثات الناجمة عن إزالة الأحراج وتدهور الغابات» (ريد+). والفكرة بسيطة: فبالاستعانة بالحوافز المناسبة، يُصبِح بوسع البشر والحكومات الحفاظ على الغابات المدارية وإعادتها إلى أصلها، بدلاً من دفنها تحت الأرض. وفي المقابل يحصل العالَم على المزيد من بالوعات الكربون لامتصاص الغازات المسببة للانحباس الحراري الكوكبي.

تزودنا هذه المبادرة، التي ظلت قائمة في أشكال مختلفة منذ ما يقرب من عشر سنوات، هيكلاً لتغطية تكاليف جهود الحفظ والتجديد. ومن خلال إعطاء قيمة اقتصادية للغابات، للدور الذي تضطلع به في احتجاز وتخزين الكربون على نطاق واسع، تسمح المبادرة للأشجار القائمة بالتنافس مع الاستخدامات المربحة للأراضي ــ مثل قطع الأشجار أو الزراعة ــ والتي تُفضي إلى إزالة الغابات.

بدأ أول برنامج واسع النطاق في إطار مبادرة الحد من الانبعاثات الناجمة عن إزالة الأحراج وتدهور الغابات بموجب اتفاق بين النرويج والبرازيل عام 2008. وافقت النرويج على تقديم مليار دولار على أساس «دفعات مشروطة بالأداء» للبرازيل في مقابل حماية غاباتها المطيرة بنجاح.

وكانت الأموال من النرويج تُصرَف على أقساط، مع حفاظ البرازيل على غاباتها. وكانت النتائج مبهرة: فقد نجحت البرازيل في خفض متوسط معدل إزالة غابات الأمازون بما يزيد على 60% على مدار السنوات العشر الفائتة، وبهذا امتصت من ثاني أكسيد الكربون 3.6 مليارات طن أكثر من أي دولة أخرى. وتمكنت النرويج من المساعدة على تخفيف الانبعاثات العالمية من ثاني أكسيد الكربون، ولكن على الرغم من نجاح الشراكة الرائدة، أصبح البرنامج اليوم في احتياج شديد إلى رأس المال. والحل في نواح كثيرة مشابه لاقتراح ماسك الشمسي في بورتوريكو. ولكن الإبداع هذه المرة ليس تكنولوجياً، فالمطلوب الآن هو الإبداع المالي.

إن إنشاء سوق لاعتمادات المبادرة من شأنه أن يخلق الفرص للاستثمار في الحفاظ على الغابات المدارية للشركات والصناعات الملوثة للبيئة بشدة. وبالاستعانة بالإطار السياسي المناسب، يُصبِح من الممكن تقديم اعتمادات المبادرة من خلال أسواق الالتزام القائمة - مثل أسواق الائتمان الكربوني في كاليفورنيا وكوريا الجنوبية ــ وبالتالي تحرير المليارات في هيئة رؤوس أموال إضافية لجهود إعادة زراعة الأحراج والغابات.

ومن شأن تطوير هذا الإطار أن يمكن المبادرة أيضاً من التحول إلى جزء من أنظمة الامتثال في المستقبل، مثل تلك التي يجري تطويرها من قِبَل صناعة الخطوط الجوية العالمية بهدف خفض الانبعاثات، أو سوق تصاريح الكربون التي تخطط الصين لإطلاقها في وقت لاحق من هذا العام. وقد يساعد الاندماج في هذه الأسواق أيضاً على الاستفادة من تدفقات تمويل جديدة للحفاظ على الغابات وإعادة زراعتها، كما قد يسمح للوسطاء الماليين، مثل صندوق تسريع مبادرة الحد من الانبعاثات الناجمة عن إزالة الأحراج وتدهور الغابات، بالربط بين المبادرة والمشاريع مع القطاع الخاص مباشرة.

في الوقت الراهن، لا يعدو كل هذا كونه مجرد طموح. فالمبادرة تتألف من مجموعة من المبادئ التوجيهية في الأساس، وسوف تتطلب سوق اعتمادات الغابات وضع قواعد ومعايير لإدارة كيفية توزيع مخصصات حماية وإعادة زرع الغابات للمشترين ودمجها في الأسواق الحالية. ويستطيع زعماء العالَم المجتمعون هذا الأسبوع في إطار مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ في بون بألمانيا أن يعينوا هذه الجهود من خلال مواصلة تطوير آليات محاسبية فعّالة وشفافة لتنفيذ مشاريع المبادرة.

من المؤكد أن التأخير لا يخلو من مخاطر. ففي غضون العامين اللذين انقضيا منذ تبني اتفاقية باريس للمناخ، سجلت إزالة الأحراج والغابات زيادة حادة في إندونيسيا وأجزاء من منطقة الأمازون، حيث يوجد قسم كبير من أكبر غابات العالَم المدارية وأكثرها أهمية. ووفقاً لاتحاد العلماء المهمومين فإن إزالة الغابات المدارية مسؤولة عن إطلاق ثلاثة مليارات طن إضافية من ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي سنوياً - أكثر من كل الغازات التي يطلقها قطاع النقل في العالم بأسره.

لن يجد العالم أي تكنولوجيا أكثر كفاءة وفعالية من الغابات المدارية في تخزين الكربون، ولا شك في أن إنقاذ هذه الغابات وإعادتها إلى أصلها يقدم لنا واحداً من أرخص أشكال الحد من الانبعاثات أو احتجازها وأوسعها نطاقاً، في حين يزودنا بمجموعة من الفوائد البيئية والاجتماعية الأخرى. وللاستفادة من هذا التحوط الحاسم ضد تفاقم الانحباس الحراري الكوكبي، لا بد من أن نُبقي على المزيد من الأشجار واقفة. وبالنسبة لأولئك منا الذين يعتقدون أن سوق ائتمان الغابات قادرة على توفير وسيلة حاسمة لحماية كوكبنا فقد حانت لحظة ماسك. ولا يجوز لنا أن نكون أقل منه جرأة.

* مدير مشارك لمؤسسة روكفلر

Email