حكاية من المغرب

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

من بلد يعتمد بشكل رئيسي على استيراد النفط والغاز الذي يوفّر حالياً أكثر من 97% من حاجته من الطاقة، يطمح المغرب إلى أن يتحوّل إلى منتج كبير للطاقة المتجددة، ولهذا الغرض، وضع أهدافاً طموحة لزيادة حصة الطاقة المتجددة إلى 42٪ بحلول عام 2020 و52٪ بحلول عام 2030 إضافة إلى أهداف لخفض استهلاك الطاقة بنسبة 12٪ بحلول عام 2020 و15٪ بحلول 3030 من خلال كفاءة استخدام الطاقة.

أهداف طموحة بدأت تتبلور بفضل تنفيذ عدد هائل من المشاريع، بدءاً بافتتاح أكبر مجمع للطاقة الريحية في المغرب بالقرب من مدينة طرفاية عام 2014 وصولاً إلى إطلاق المرحلة الأولى من أكبر مجمع للطاقة الشمسية في العالم «نور 1» في ورززات بداية عام 2016 الذي من المتوقع أن يولد الطاقة لمليون منزل وأن يجعل من المغرب قوة عظمى للطاقة الشمسية من دون أن ننسى المشاريع الأخرى من الطاقة الريحية والمائية.

وقد حمل هذا الاهتمام بالطاقة المتجددة والعمل على استراتيجيات واضحة لتنفيذها إلى فوز المغرب بمقعد عالمي في قطاع الطاقة المتجددة. فهل حقاً يتصدر المغرب الدول العربية في هذا المجال؟

معظم الدول العربية أدركت أهمية اللجوء إلى الطاقة المتجددة إلا أن اندفاع المغرب يُثنى عليه. وشكّل التصديق على «الاستراتيجية العربية لتطوير استخدامات الطاقة المتجددة (2010 -2030)» خلال الدورة الثالثة من القمة العربية التنموية: الاقتصادية والاجتماعية سنة 2013 خطوة أساسية في عمل الحكومات العربية على تطوير وانتشار تكنولوجيات الطاقة المتجددة في المنطقة.

في هذا الإطار، شرعت كلّ من الحكومات العربية في وضع استراتيجيات وسياسات خاصة بها إضافة إلى التعاون على الصعيد الإقليمي من أجل نتائج أفضل وأسرع. وكانت أهداف المغرب بالاعتماد على الطاقة المتجددة الأكثر طموحاً حتى لو أن كلاً من الجزائر ومصر وقطر والمملكة العربية السعودية وتونس كانت قد أعلنت عن أهداف تفوق 20% من توليد الكهرباء من مصادر مختلفة.

وتخبرنا مفالدا دوارات، مديرة صندوق الاستثمار في الأنشطة المناخية أنّ وصف وكالة بلومبرغ لتمويل الطاقة الجديدة للمغرب بأنه «سوق الطاقة المتجددة الأكثر نشاطاً في منطقة الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا» لا يأتي اعتباطياً لأن «المغرب يأتي في الطليعة لدعم الطاقة المتجددة والتكامل مقارنة مع جيرانه».

وتُشير دوارات إلى أن «أهداف المغرب الطموحة لخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والتقدم المُحرز في إجراءات التكييف لإدارة نقاط الضعف (ولا سيما في قطاع الزراعة) ساهمت في فوز المغرب بفرصة استضافة مؤتمر الأمم المتحدة للتغيّر المناخي في نوفمبر الماضي».

ولا بد من الإشارة أيضاً إلى أن المغرب يحتلّ المرتبة السابعة عالمياً في مؤشر الأداء لتغير المناخ لعام 2016 وهو البلد غير الأوروبي الوحيد الذي وصل إلى المراتب العشرين الأولى. أضف إلى ذلك أنه البلد الوحيد ضمن الدول الخمس التي حقّقت تصنيفاً «كافياً» لجهودها الرامية إلى الحفاظ على درجة حرارة أقل من درجتين مئويتين في مؤشر «تعقب الإجراءات المناخية».

ما الذي يُبرر هذا الاهتمام المغربي؟ يُعزى السبب، على حد قول دوارات، إلى أن البلد «بحاجة ماسة إلى حلول للطاقة النظيفة والآمنة». وتتابع «المغرب هو الدولة الوحيدة في شمالي إفريقيا التي لا تملك مصادر الوقود الأحفوري وبالتالي تعتمد على الاستيراد لتوليد معظم طاقتها». وتشير دوارات إلى أنه بحلول نهاية عام 2015، كان لدى المغرب أكثر من 8،000 ميغاواط من الطاقة الكهربائية المركبة، و67٪ منها أطلقت من الوقود الأحفوري (معظمها من النفط والفحم)؛ فقط 54 ميغاواط من هذه القدرة كانت من مصادر الطاقة المتجددة غير المائية.

إضافة إلى حاجة تنويع مصادر الطاقة، يشدد عبيد عمران، عضو الإدارة الجماعية للوكالة المغربية للطاقة المستدامة على أنّ استراتيجية المغرب تنطوي على استخدام رشيد للطاقة وعلى الحفاظ على البيئة والحد من التغيرات المناخية والتنمية المستدامة بفضل السياسات الفلاحية والصناعية. ويشرح لنا أن «الاهتمام المغربي بالحفاظ على المجالات الطبيعية المغربية ليس وليد اليوم بل جذوره الأولى تجلّت في إطار السياسات المغربية ببناء عدد من السدود وإنتاج مياه صالحة للشرب؛ أمرٌ مكّن المغرب من تخطي العديد من المراحل وتجاوز مشاكل الجفاف وانعكاسات هذه الظواهر الطبيعية في الستينات والسبعينات».

ويرى أنّه «كان من الطبيعي لبلد لا يتوافر على موارد من الطاقات الأحفوريّة أن يضع سياسة طاقية وأن يفكّر بحلول إيجابية لتلبية الحاجة الطاقية مبنية على استغلال الموارد الطبيعية المتوافرة من حيث الموارد الريحية والشمسية وخلق ديناميكية صناعية جديدة لإنتاج الطاقة بغية تلبية الحاجة من الطاقة والحد من الانبعاثات والحفاظ على البيئة وتنمية قطاع صناعي جديد».

تقع مسؤولية تطوير سياسات الطاقة على عاتق وزارة الطاقة والمناجم والبيئة المغربية. كما شرع المغرب في تأسيس عدد من المنظمات لتطوير الطاقة المتجددة. ونذكر شركة الاستثمارات الطاقية المملوكة من الدولة والمسؤولة عن دعم الحكومة المغربية في تحقيق أهدافها من الطاقة المتجددة. أما وكالة تنمية الطاقة المتجددة والكفاءة الطاقية فتعمل على تسهيل تطبيق سياسات الطاقة المتجددة.

من جهتها، تعمل الوكالة المغربية للطاقة الشمسية على تنفيذ خطة الطاقة الشمسية ودعم تطوير هذه الطاقة في المغرب. ويُطلعنا عمران على أن هذه الوكالة تحوّلت، قبل أشهر، إلى الوكالة المغربية للطاقة المستدامة مع «توسيع مشاريعها إلى الطاقة الريحية والمائية وجميع أنواع الطاقة المتجددة».

وتضيف دوارات أن هذه الوكالة تأسست من أجل تطبيق الاستراتيجية الشمسية الوطنية التي تصل استثماراتها إلى 9 مليارات دولار مشيرة إلى أن المغرب يملك أيضاً موارد كبيرة من طاقة الرياح استغلّها ضمن «مشروع طاقة الرياح المتكاملة» الذي تصل كلفته إلى 3،7 مليارات دولار وقد نتج عن هذا المشروع مناقصة ناجحة لخمس مزارع رياح تبلغ طاقة إنتاجها 850 ميغاوات.

وإضافة إلى ذلك، لعلّ أبرز الإنجازات المغربية يبقى المركب الشمسي نور ورززات الذي تفوق قدرته الإنتاجية 570 ميغاوات من الطاقة الشمسية، منها وحدات نور ورززات واحد مع قدرة 160 ميغاوات التي بدأت بالعمل منذ عام تقريباً إضافة إلى وحدتَين في طور الإنجاز. ويشير عمران إلى أن «مركب نور ورززات» من بين المركبات الشمسية الفريدة في العالم حيث يوجد في نفس المكان الإنتاج الطاقي والبحث والتطوير. كما تشرف الوكالة على تنمية الطاقة على أنواعها بحيث إنه من المتوقع تنمية 2000 ميغاوات من القدرات الشمسية و2000 ميغاوات من الطاقة الريحية و2000 ميغاوات من الطاقة المائية في غضون 2020.

ويطلعنا عمران على أن الوكالة تعمل على تنمية شاملة لتلبية الحاجات الطاقية وتوفير فرصة لتوطين عدد من الصناعات المتقدمة في المغرب. وبالتالي، نعمل على تحسين وتنمية المجال الصناعي المتصل بهذه التكنولوجيات والتركيز على البحث والتطوير اللذين هما ركيزة هذه المشاريع إضافة إلى خلق فرص عمل جديدة.

ترى دوارات أن باقي المنطقة تعمل على اللحاق بالقطار ولا سيما بفضل الاستراتيجية العربية لتطوير استخدامات الطاقة المتجددة التي تحدثنا عنها سابقاً. إلا أنها تشدد على أنه حتى الآن، نلاحظ أن التقدم في معظم دول منطقة الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا ما زال محدوداً. على الرغم من مصادر الطاقة المتجددة الوافرة، لم تجذب المنطقة إلا 1،7% من الاستثمار العالمي في الطاقة المتجددة سنوياً منذ سنة 2012. هناك عوامل تعوق العديد من الدول مثل نقص قدرة الشبكة، والافتقار إلى دعم السياسات، وتخفيض قيمة العملة. وبحلول نهاية عام 2015، كانت الطاقة المتجددة تمثل 4٪ فقط من قدرة توليد الطاقة الكهربائية البالغة 260 جيجاوات في منطقة الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا.

تجد دوارات أنه على الرغم من زيادة الزخم في المنطقة، لا تزال هناك تحديات عديدة قائمة يتعين التغلب عليها لدفع استثمارات الطاقة المتجددة على نطاق واسع. ويعمل شركاؤنا في البنك الإنمائي متعدد الأطراف، مثل البنك الدولي، ومصرف التنمية الإفريقي، ومؤسسة التمويل الدولية، بزخم مع الحكومات في جميع أنحاء المنطقة بشأن الإصلاحات السياسية والتنظيمية التي يمكن أن تساعد على تقليل الحواجز التي تعوق الاستثمار في حلول الطاقة النظيفة.

أدركت الدول العربية أهمية التركيز والاستثمار بالطاقة المتجددة للاستدامة المستقبلية حتى ولو متأخرة إلا أنه ما زال الكثير لإنجازه. ولكن للمضي قدماً على درب النجاح، يركّز عمران على ضرورة أن يكون هناك رؤية مبنية على إرادة قوية وقوانين لتنمية الطاقة. ويتابع أهم وسائل النجاح هي الإرادة السياسية والمجتمعية لإدخال الطاقة المتجددة كحل للمعضلات السياسية والاقتصادية والحفاظ على المجال الطبيعي.

* كاتبة متخصصة في قضايا الطاقة

Email