فن الصفقة مع كوريا الشمالية

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد رد فعل الرئيس الأميركي دونالد ترامب المتحفظ بشأن أحدث تجربة صاروخ باليستي لكوريا الشمالية، يتساءل العديد من المراقبين عما ستكون خطوته المقبلة.

صرح الرئيس الأميركي علناً بأن هدف كوريا الشمالية من تطوير صاروخ نووي لإلحاق الضرر بالولايات المتحدة «لن يتحقق». لكن ماذا سيفعل على وجه التحديد لمنع ذلك؟

نصح البعض حكومة ترامب بشن ضربات استباقية على المنشآت النووية لكوريا الشمالية. لكن هذا خيار خطير وغير فعال، لأن كوريا الشمالية من المحتمل عندئذٍ أن تقدم على الانتقام من كوريا الجنوبية.

ولا يريد الكوريون الجنوبيون نشوب حرب، لذلك سيكون هجوم الولايات المتحدة باستفزاز من كوريا الشمالية كارثياً بالنسبة لتحالف الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، وعلاوة على ذلك، فقد طورت كوريا الشمالية أخيراً، صواريخ ذات محركات تعمل بالوقود الصلب، والتي يمكن أن تبقى محفوظة حتى موعد إطلاقها، ما يجعل من الصعب من الناحية الفنية تحديد الأهداف الصحيحة - والأوقات المناسبة لضربها.

رد فعل آخر ممكن على التهديد الكوري الشمالي هو تشديد العقوبات الدولية، بما في ذلك المقاطعة الثانوية. لكن العقوبات القوية لجعل «الجنرال الشاب» لكوريا الشمالية كيم جونغ أون، يفكر مرتين بشأن أحدث استفزازاته سوف تتطلب تعاون الصين، ولن يكون تأمين ذلك سهلاً.

قد يفسر القادة الصينيون المقاطعة الثانوية العدوانية بأنها ليست موجهة فقط ضد كوريا الشمالية، ولكن ضد الصين أيضاً. وفي انتظار المؤتمر الوطني 19 للحزب الشيوعي الصيني الذي سيقام في وقت لاحق من هذا العام، لن يقبل الرئيس الصيني شي جين بينغ أن ينظر إليه وكأنه يتنازل للضغوط الأميركية.

ونحن نعلم من أكثر من عقدين من الدبلوماسية النووية مع كوريا الشمالية أنه، من أجل تحقيق نتيجة إيجابية، سيكون على حكومة ترامب حل معضلتين أساسيتين. وبينما فضل القادة السياسيون السابقون التغاضي عنهما، فإن أسلوب الرئيس الأميركي الفريد من نوعه وغير التقليدي في القيادة والتفاوض، سيمكنه من تحقيق تقدم بعكس أسلافه.

المعضلة الأولى تتعلق بالصين، يجب على أي جهد دبلوماسي لنزع السلاح النووي من كوريا الشمالية أيضاً، تخفيف المخاوف الجيواستراتيجية للصين بشأن مستقبل شبه الجزيرة الكورية. فلعدة قرون، تخشى الصين أن تصبح شبه الجزيرة جزءاً من الحصار، أو بمثابة طريق للغزو. في عام 1592، غزا جنرال اليابان تويوتومي هيديوشي المملكة الكورية لإنشاء جسر لغزو الصين.

ورداً على ذلك، قاتلت الصين، في ظل عهد أسرة مينغ، إلى جانب كوريا ضد الجيش الياباني، وبعد ثلاثة قرون، قاتلت أسرة تشينغ الصينية في الحرب الصينية اليابانية عام 1894 لمنع اليابان من السيطرة على كوريا. ومرة أخرى، في شتاء 1950-1951، تدخل رئيس الحزب الشيوعي الصيني ماو تسي تونغ في الحرب الكورية عند عبور الجيش 38 الأميركي الموازي متقدماً نحو حدود الصين.

ويتشارك قادة الصين الحاليون نفس القلق الاستراتيجي مع أسلافهم حول شبه الجزيرة الكورية، وهو ما يفسر عدم رغبتهم في تلبية مطالب الولايات المتحدة كاملة لاتخاذ إجراءات ضد كوريا الشمالية. لا تريد الصين ببساطة أن تخاطر بانهيار دولتها العازلة لكوريا الشمالية نتيجة للعقوبات. ولأنهم يفهمون استراتيجية الصين الحيوية، تمكن زعماء كوريا الشمالية من تطوير البرنامج النووي لبلادهم.

أجرى ترامب وشي أول محادثات هاتفية، ومن المحتمل أن يجتمعا قريباً بصفة شخصية. أملي هو أن يلتزم ترامب برباطة جأشه، ويقترح صفقة كبرى مع الصين التي من شأنها التخفيف من المخاوف الجيواستراتيجية إزاء شبه الجزيرة الكورية.

ما لم يتم فصل مشكلة كوريا الشمالية عن المنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين، ستستمر الجهود الدبلوماسية في الفشل. لذلك، يمكن أن يَعِد ترامب الصين بأن حكومته لن تسعى لتغيير النظام في كوريا الشمالية، وبدلاً من ذلك يقدم ضمانات أمنية إذا قامت كوريا الشمالية بمنع الأسلحة النووية.

بدلاً من ذلك، يمكن أن يَعرض سحب النظام الجديد المضاد للصواريخ الذي تعارضه الصين، من كوريا الجنوبية فور تخلي كوريا الشمالية عن برنامجها النووي، وبإمكان ترامب أن يطالب، في المقابل، بتعاون الصين بكل إخلاص بشأن العقوبات وغيرها من الجهود لإقناع كوريا الشمالية بالتخلي عن طموحاتها النووية. م

ع إتمام مثل هذه الصفقة، فإن اقتراح الصين القائم - نزع السلاح النووي جنباً إلى جنب مع معاهدة السلام لوضع حد نهائي للحرب الكورية - سيصبح قابلاً للتحقيق، لكن تهدئة المخاوف الاستراتيجية للصين تقودنا إلى معضلة ثانية في قلب المأزق الحالي: أمن كوريا الشمالية نفسها. في العالم القاسي للعلاقات الدولية، يمكن أن يشعر بلد صغير، وضعيف، ومعزول مثل كوريا الشمالية بأنه مهدد من قبل جيرانه حتى وإن كانت نيتهم حسنة.

وللتعويض عن ضعفها المتصور، تقوي كوريا الشمالية جيشها وتطور قوة ردع قوية مثل الأسلحة النووية. لكن أصبح هذا عبارة عن حلقة مفرغة، لأن جيرانها يعتبرون أفعالها استفزازاً، وسيشعرون بأنهم مهددون أيضاً.

أدرك الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون هذه المشكلة وحاول معالجتها. ضمن الإطار المتفق عليه في جنيف عام 1994، ونجحت حكومته في تجميد الأنشطة النووية لكوريا الشمالية لعدة سنوات، ووعدت بتحسين العلاقات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية. وعلى الرغم من أن حكومة الرئيس جورج دبليو بوش، وضعت كوريا الشمالية في «محور الشر»، فقد أدركت أيضاً معضلة الأمن في كوريا الشمالية.

وحاولت التصدي لها من خلال الاتفاق السداسي في 19 سبتمبر 2005، ويعتقد منتقدو هذا النهج أن الولايات المتحدة قد اشترت نفس الحصان مرتين، وينبغي أن تركز على العقوبات، في حين تنتظر كوريا الشمالية اتخاذ الخطوة التالية.

لكن العقوبات ليست فعالة من دون دعم الصين القوي. لقد استفادت كوريا الشمالية من الوقفة الدبلوماسية في السنوات الأخيرة بتطوير تقنياتها النووية والصاروخية. ونتيجة لذلك، نحن الآن في مكان أسوأ مما كنا عليه في البداية.

وخلال حملته الانتخابية، قال ترامب: «ليست لديه أي مشكلة» في التحدث إلى كيم. لديه الآن فرصة لفعل ذلك، من خلال استكشاف إمكانية التوصل إلى اتفاق شامل مع كوريا الشمالية، على أساس ضمان أمن الولايات المتحدة والحوافز الاقتصادية.

لكن ترامب لا يجب أن يذهب في هذا الطريق، إلا إذا كان على استعداد أيضاً لمعالجة المخاوف الاستراتيجية للصين. وإذا تمكن ترامب من عقد صفقات مع الصين وكوريا الشمالية في نفس الوقت، فإن حتى أشد منتقديه سيعترفون له بقدراته.

* الوزير السابق للشؤون الخارجية في جمهورية كوريا، وأستاذ فخري في العلاقات الدولية في جامعة سيول الوطنية

 

Email