البنوك المركزية وتوظيف الميزانيات الاستباقية

ت + ت - الحجم الطبيعي

نشأ مفهوم استقلال البنك المركزي في القرن التاسع عشر، وتطور بشكل مختلف في مناطق العملات المختلفة. لكن في الآونة الأخيرة في عام 1990، أصبح استقلال البنك المركزي مرتبطاً بأهداف التضخم. في حين أن بعض البنوك المركزية لديها مرونة أكثر من غيرها في إدارة استقرار الأسعار. فقد التزمت كلها بأهداف رقمية بشكل علني. من دون هذه المساءلة (والاتصالات الشفافة)، سيكون من الصعب تبرير استقلالها.

ولد الاستهداف العددي لاستقرار الأسعار خلال مرحلة التضخم في السبعينيات، لكن البنوك المركزية ناضلت في الاتجاه المعاكس منذ عام 2008: انخفاض معدلات التضخم، والانكماش، وعلى نطاق أوسع، قد تحدت الأزمة المالية الإطار الفكري وبعض المبادئ الأساسية التي وَجهت سابقاً البنوك المركزية القوية.

على سبيل المثال، لم يعد بوسعنا أن نعامل احتكاك سوق برأس المال على أنه مجرد مؤشر من الدرجة الثانية. ولا يمكننا أن نفترض أن كفاءة السوق ستوفر دائماً تقريباً عملياً لأنشطة السوق، أو أن الكميات المالية - وخاصة حجم وهيكل ميزانيات البنوك المركزية - ليس لها صلة. نظراً لإخفاقات السوق المنتشرة، تمكنت البنوك المركزية من التدخل كصانعة السوق والتأثير في تسيير الأزمات من خلال سياسات الميزانية العمومية الفعالة.

ونتيجة لذلك، تغير الإطار التشغيلي للبنوك المركزية. مع أدوات أخرى مثل تحكمها في التسهيل الكمي، انتقلت البنوك المركزية من كونها أداة واحدة، بهدف واحد، إلى أدوات متعددة وأهداف متعددة. لكن يمكننا توقع أن البنوك المركزية ستواصل استخدام ميزانياتها بشكل استباقي حتى في «الأوقات العادية»، وذلك لمواجهة الاحتكاك أو التصدي لضغوط السيولة المالية.

كريسيا ريتشلين* أستاذة الاقتصاد في مدرسة لندن للأعمال

Email