لعشاق "أبو الفنون"

4 مسرحيات تحرضك على فن الكتابة المسرحية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يجلس أحمد في مقدمة الحضور، لمشاهدة العرض المسرحي «سوبرماركت» على مسرح دبي الذي تقدمة فرقة "مسرح مصر"، يهمس في أذن والده برغبته في أن يكون يوماً ما كاتباً مسرحياً بارعاً، يبتسم الوالد، ويقول: "سأصطحبك إلى مسرح المدينة لمشاهدة العروض الحية، وسأجلب لك بعضاً من أجمل ما كُتِبَ في المسرح. أنت بالفعل موهوب، وتمتلك حساً كوميدياً ساخراً، وينقصك دعم موهبتك بالقراءة لروائع الأعمال الأدبية".  أمنية أحمد بأن يكون كاتباً مسرحياً ليست بالسهولة كما كان يتصور، فالأب يدرك كيف ينمي موهبة ابنه، الشغوف بعالم المسرح، حيث يعتقد أن الكتابة المسرحية من أصعب أنواع الكتابات لما تتطلب من مهارة في صياغة فكرة نوعية تتبلور إطار قصصي تُحكى بلغة سلسة وبسيطة، ولكنها مكثفة المعاني والدلالات، ولابد للكاتب المسرحي أن يكون على اطلاع دائم بأهم الأعمال التي تركت بصمة بارزة في تاريخ المسرح، وأن يكون قارئاً جيداً لفطاحل الكُتّاب المسرحيين، حتى يتمكن من "صنّعة" ومهارة الكتابة. وحتى يستطيع "أحمد" وغيره من الراغبين في الكتابة المسرحية نضع بين يدي القارئ عرضاً لأربع مسرحيات عربية وعالمية، أجمع عدد من النقاد على أنها من أفضل ما كتب في المسرح لبراعة أسلوبها، وطريقة عرضها، وتكشف جانباً من أسرار العبقرية في الكتابة المسرحية، وتضع الراغب في تعلم أساسيات "أبو الفنون" على أولى درجات الكتابة.

https://media.albayan.ae/inline-images/2646528.jpg

مأساة الحلاج.. رائعة صلاح عبد الصبور
الحلاج شخصية مثيرة للجدل، دفعت ضريبة آرائها وأفكارها التي كانت تسير عكس التيار السائد، وأصبحت كلاشيه فيما بعد يعبر عن الحرية في الفكر من دون الوصاية من أحد، وأضحت توظّف بشكل كبير في الشعر العربي، فمثلاً، تجد ملامح هذه الشخصية في أهم أعمال أدونيس، عبد الوهاب البياتي، ونجيب سرور. ومن الذين تعرضوا لهذه الشخصية، واستلهموا منها أعمالهم، الكاتب الكبير، صلاح عبد الصبور، في رائعته المسرحية "مأساة الحلاج" التي تتكون من فصلين أطلق عليهما صلاح عبد الصبور أجزاء. الجزء الأول: "الكلمة" والجزء الثاني: "الموت"، وتعد هذه المسرحية أروع مسرحية شعرية عرفها العرب حتى الآن. وتسلط الضوء على تضارب طبيعية العلاقة بين السلطة مع الدين والمعارضة، كما عرجت على محنة العقل والاستنباط أمام الأفكار التقليدية وسطحية العوام. اهتم عبد الصبور بالجانب الشعري؛ فجاءت المسرحية مزينة بالاستعارات الشعرية الثرية بالقوافي الموسيقية. فإذا كنت تهوى الإسقاطات والرمزية في الكتابة؛ فطالع تلك "المأساة" فقد تكون بوابتك للكتابة المسرحية المستلهمة من الشخصيات التاريخية، وربطها بأهم قضايا العصر.

https://media.albayan.ae/inline-images/2646531.jpg

الملك أوديب.. إبداع كامل الأوصاف
من أجمل ما أنتجته العقلية اليونانية الأدبية، ولا يوجد هاوٍ أو دارس للمسرح إلا وقد اطلع على هذه المسرحية، إما قراءةً أو نقداً، لما فيها من إبداع كامل الأوصاف في فن الكتابة المسرحية. فقد تفتقت عبقرية الكاتب اليوناني، سوفوكليس، عن هذه المسرحية التي تعكس صورة الصراع بين الإنسان والتسليم بالقدر، وقد تأثر بها عدد الكُتّاب العرب، نظراً إلى أن شخصية "أوديب" تفتح شهية الكتابة عنها؛ فللقارئ أن يتخيل كيف يكون السيناريو المسرحي لرجل يقتل أباه، ويتزوج أمه من دون أن يعرف، وينجب منها أولاداً، فيصيرون أبناء وأولاداً في الوقت نفسه، حسب الأسطورة اليونانية.
توفيق الحكيم واحدٌ من هؤلاء الذين تأثروا بالمسرحية، وقد برزت قدرته على ابتكار الشخصيات وتوظيف الأسطورة والتاريخ على نحو يتميز بالبراعة والإتقان، ويكشف عن تمرس وحسن اختيار للقالب الفني الذي يصب فيه إبداعه. وسواء اطلعت على ما كتبه سوفوكليس أو توفيق الحكيم، أو علي أحمد باكثير الذي كتب مسرحية حول هذه الأسطورة أيضاً، ستجد نفسك أمام عمل فني متكامل يزيدك شغفاً أكثر بالكتابة المسرحية.
 https://media.albayan.ae/inline-images/2646532.jpg
روميو وجوليت.. كلاسيكية الحب الخالد
إن لم يكتب وليام شكسبير إلا هذه المسرحية (روميو وجولييت) لكفته شهرةً وثناءً وإبداعاً. فالمسرحية التي تصنّف من أجمل الكلاسيكيات العالمية مثلت في مسرحيات وأفلام عدة، وكانت منطلقاً لكثير من المخرجين العالميين والعرب لترك بصمة مميزة في تاريخهم الفني.
قصة هذين البطلين؛ روميو وجولييت، لم تقف عند حد المسرح فقط، بل امتدت أيضاً إلى الرسامين الذين استلهموا من مشاهد المسرحية أعمالهم، ونتج عن ذلك تراث من اللوحات العالمية الشهيرة.
روميو وجوليت؛ صارا مضرباً لكل محبٍ ورمزاً طاهراً لحب بريء يبحث عن إطار مجتمعي يعترف به ويعلن فيه إشهاره، وتعد قصتهما من أكثر القصص الرومانسية جمالاً، حيث تظهر مدى الحب الذي يكلله عناق الموت.
القصة كاملة الأركان من أحداث وأبطال، وعقدة وحل فضلاً عن الزمان والمكان، وتلك هي العناصر الأساسية التي لابد أن يتعلمها مَن لديه شغف بالكتابة المسرحية. بدأت القصة بصراع بين عائلتين وانتهت نهاية مأساوية يتعاطف معها القارئ والمشاهد للعمل. في بدايتها كان روميو يحب امرأة تسمى روز ألاين، وذات مرة سمع أن هناك حفلة تنكرية ستحضرها روز، ذهب إلى الحفل وكان لقاؤه مع جولييت في هذا الحفل ليقع في حبها، بعد تبادل الحديث معها وقعت هي الأخرى في حبه، ومن هنا بدأت العقدة في الرواية، حيث عاندهما القدر، وانتهت بموتهما الذي كان سبباً في صلح العائلتين بعد صراع طويل.

https://media.albayan.ae/inline-images/2646529.jpg
الملك لير.. حب بلا تملق
المدهش في هذه القصة الفكرة التي كلما كانت متفردة ومبدعة أسهمت في نجاح أي العمل، وخصوصاً إذا اكتمل بناؤه وأركانه وصيغ بأسلوب أخاذ. تحكي المسرحية التي أبدعها ويليام شكسبير حكاية أحد ملوك بريطانيا، عندما تقدم في العمر وقرر أن يقسم ملكه بين بناته الثلاث؛ جنريل، ريجان وكردليا، ثم طلب من كل واحدة منهن أن تعبر عن مدى حبها له، فعبرت كل واحدة من جنريل وريجان عن حبها بعبارات المدح والثناء المبالغ فيه الذى يظهر فيه الرياء والتملق، وكرهت كردليا هذا الخداع والتملق ورفضت أن تبالغ في حبها لأبيها، وتقول بلسانها ما ليس في قلبها كما فعلت أختاها وقالت لأبيها: "إني أحبك بمقدار ما يحتمه عليّ الواجب الأبوي، لا أكثر، ولا أقل" لذلك غضب عليها الملك ظناً منه أنها لا تحبه وطردها من المملكة، ولكن ملك فرنسا أعجب بها وتزوجها لأنه رأى أنها لا تطمع في شيء من المال.
وقسم الملك لير المملكة بين ابنتيه الكبيرتين فعندما تمكنتا من المملكة قامتا بطرد الملك لير من المملكة، وقررت كردليا أن تساعد أباها فأرسلت جيشاً قوياً من أجل تحرير أبيها لير، وانهزم جيش فرنسا وقامت جنريل وريجان بأسر كردليا.. وهنا ظهر للملك لير مدى حب ابنته الصغرى كردليا له فندم على ما فعله بها.


غيض من فيض
هذه المسرحيات ما هي إلا غيض من فيض؛ فالأدب العالمي والعربي، يزخر بالعديد من المسرحيات التي لابد للكاتب المسرحي أو من لديه شغف الكتابة لـ"أبو الفنون" أن يمر عليها إما قراءةً أو مشاهدة، حتى يدعم موهبته ويستطيع أن يترك بصمة متفردة في الكتابة التي قد تصادف مخرجاً عبقرياً ينتقي ممثلين موهوبين ليخرجوا لنا عملاً نصفق له من قلوينا قبل أيدينا.

 

Email