تمدد حضاري فريد يعزز الشعور بالرضا والسعادة ويحفّز الإبداع

مشاريع الإمارات تعيد ابتكار طرق وأسالـيب المعيشة والتفكير

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

أدخلت التحولات التكنولوجية، التي اعتمدتها دولة الإمارات في أغلب المشروعات التي جرى الإعلان عنها خلال الأعوام القليلة الماضية، لا سيما في أبوظبي ودبي، تغييرات لم يعهدها العالم في تنظيم التفاعلات داخل المدن، فالتمدد الحضاري الذي تشهده مدن الدولة بات معتمداً من جانب الأفراد والمؤسسات والحكومات على تكنولوجيا المعلومات.

ويشهد معرض سيتي سكيب، الذي تنطلق فعالياته غداً، مشاركة مشاريع ضخمة جرى تطوير بعضها ويجري تطوير البعض الآخر، وفقاً لمضمون «المناطق والتجمعات السكنية والمدن الذكية والمستدامة».

ويرى مراقبون أن الخطوات المتسارعة، التي تطبقها الحكومة الاتحادية بدمج التقنيات الحديثة في البنية التحتية والخدمات العامة لتحسين حياة المواطنين، تخلق بيئة مستدامة محفزة إلى الإبداع والابتكار والتعلم والمشاركة، وتعزز الشعور بالرضا العام والسعادة.

ويشير المراقبون إلى أن المشاريع الجديدة التي تشهدها دبي على وجه التحديد انتقلت من مجرد مبانٍ إلى مدن متكاملة، يؤدي فيها التخطيط الحضاري دوراً بارزاً، ليرسم حضارة بنظام تخطيط يلبي حاجات الأفراد، ويضمن راحة السكان وتوافر الخدمات ومواءمة أماكن السكن لمتطلبات الجميع.

واشتهرت مشاريع عديدة بتطبيق معايير جديدة قائمة على التخطيط الحضاري المعاصر دون الإخلال بجوهر الهوية العمرانية المحلية، مع مراعاة تفوق التخطيط لمستقبل التجمعات البشرية في القرن الجديد.

وشهدت الدولة خلال العقود الماضية قفزات واسعة في البناء، وتوسعت مدنها حتى أصبحت نموذجاً صاعداً لما يجب أن تكون عليه المدن في المستقبل، ولعب ولا يزال -التخطيط الحضاري والعمراني أدواراً بارزة في النهضة العمرانية المستمرة، على خلفية الاهتمام بمفهوم التخطيط الحضاري من جانب الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية.

توظيف البيانات

ويعيش اليوم ما يقرب من 4 مليارات نسمة في المدن، ويُتوقع ارتفاع نسبتهم إلى 66% من سكان العالم بحلول عام 2050. وتسعى مدن متباينة الحجم والإمكانات إلى معالجة تحديات التوسع الحضاري والبنى التحتية والعصر الرقمي بابتكارات في السياسة واستثمارات في التكنولوجيا الحديثة وتسخير قوة البيانات.

وبينما تحمل الكثير من هذه المساعي عنوان المدن الذكية، لا يُوجد اتفاق كامل على سمات المدينة الذكية، وتتباين تعريفاتها بحسب إمكانات كل مدينة ورؤيتها وأجندتها السياسية، لكن تشترك جميعها في الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتحسين سُبل العيش والعمل وتطوير طُرق الإدارة والتخطيط الحضاري وزيادة الاستدامة.

ويراها البعض مدينةً قادرة على جمع البيانات وتحليلها لاتخاذ قرارات ذكية وتحسين التخطيط والتنمية، وتُعرِّفها الأمم المتحدة بأنها مدينة مُبتكِرة تُوظِّف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتحسين نوعية الحياة وكفاءة عملياتها وخدماتها الحضارية وقدرتها التنافسية، ولضمان تلبية احتياجات الأجيال الحالية والمستقبلية مع العناية بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.

مدينة مصدر

وعرضت منى مصطفى محمد، الباحثة في العلوم السياسية، دراسة أعدها كل من: إلينورا ريفا سانسفرينو، ورفايلا ريفا سانسفرينو، بعنوان «حالات دراسة المدن الذكية»، على مدينة «مصدر» في أبوظبي، بوصفها نموذجاً لانتشار المدن الذكية في منطقة الخليج العربي، وجاءت تلك الدراسة في كتاب معنون بـ«أطلس المدن الذكية: المجتمعات الذكية الغربية والشرقية»، أصدرته مؤسسة سبرينجر للنشر الدولي في سويسرا العام الجاري.

ويؤكد الكتاب أن منطقة الخليج العربي تعد الأكثر تأهيلاً في منطقة الشرق الأوسط لتبني تطبيقات المدن الذكية، إذ تتمتع دول الخليج العربية ببنية تحتية متقدمة تعتمد على التكنولوجيا الحديثة في تقديم الخدمات العامة، إضافة إلى وجود معدلات مرتفعة من الرضا العام، والتركيز على سعادة المواطنين ضمن منظومات متكاملة للابتكار والإبداع والاستدامة البيئية.

وقالت مؤلفتا الدراسة إلينورا ريفا سانسفرينو، ورفايلا ريفا سانسفرينو: «تُعد مدينة مصدر من أوائل المدن الذكية التي تم إنشاؤها في منطقة الشرق الأوسط؛ إذ أُسست هذه المدينة في عام 2008 في إمارة أبوظبي، وتهدف المدينة إلى استيعاب التوسع الحضاري السريع، والحد من التلوث، من خلال الاعتماد على الطاقة النظيفة، وإعادة تدوير المخلفات بالاعتماد على الطرق التكنولوجية الحديثة، وتتمثل أهم المشروعات الذكية التي تعتمد عليها مدينة «مصدر» فيما يلي:

1- شبكة نقل ذكية: تعتمد مدينة مصدر على شبكة نقل ذكية Smart Transport تتيح الخيارات التالية للتنقل: الاعتماد على السيارات ذاتية القيادة، وبرنامج تبادل السيارات الكهربائية، حيث يشترك في ملكية السيارة أكثر من فرد، وسيتم مستقبلاً تطوير شبكة مواصلات مركزية عامة تعتمد على نظام الأتمتة، ولا تسبب أي نوع من الانبعاثات الكربونية.

2- استدامة الموارد الطبيعية: ركزت تصميمات مدينة «مصدر» على خفض الطلب على المياه والطاقة بنسبة 40% من خلال التصميم الذكي للمنشآت وفقاً لمعيار «آية شير» (ASHARE)، إضافة إلى تأسيس مختبر لمراقبة ودراسة سلوك المدن في استهلاك ومشاركة الموارد، كما تستوفي المدينة معايير الاستدامة العالمية للحفاظ على الموارد وتجنب هدر الطاقة.

3- الاستثمار في المعرفة: يقع في قلب مدينة مصدر «معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا»، الذي تم إنشاؤه بالتعاون مع «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا»، بهدف تنمية القطاعات الاقتصادية المختلفة القائمة على الطاقة النظيفة، ويصنف هذا المعهد جامعةً مستقلةً للدراسات العليا، كما نقلت «الوكالة الدولية للطاقة المتجددة» (IRENA) مقرها الرئيس إلى مدينة مصدر في عام 2015.

4- المنشآت الذكية: تعتمد مدينة مصدر نمط بناء نموذجياً للمباني. فعلى سبيل المثال، ستحتوي أسطح المباني على ألواح لتوليد الطاقة الشمسية، كما سيتم الاعتماد على التقنيات التي ستقلل من استهلاك المياه والطاقة. وفي هذا الإطار، تم إنشاء مشروع «الفيلا المستدامة» في مدينة مصدر في يناير 2017، ومن المتوقع أن توفر طاقة أقل بنسبة 72%، ومياهاً بنسبة 35% مقارنة بالمنازل التقليدية، مع الأخذ في الاعتبار أن تكلفة إنشائها تعادل تكلفة إنشاء المنازل العادية نفسها، ومن المتوقع أن تستوعب المدينة 40 ألف نسمة، فضلاً عن استقبالها 50 ألفاً آخرين، بغرض العمل والدراسة عند اكتمال تطويرها بحلول عام 2030.

5- المبادرات التنموية: تسهم مدينة مصدر في رعاية مبادرات تنموية متعددة، مثل: «أسبوع أبوظبي للاستدامة» و«ملتقى السيدات للاستدامة والطاقة المتجددة»، ومبادرة مكافحة التغير المناخي العالمي (COP22)، ومشروع «سولار إمبلس» الذي تضمن إطلاق طائرة تقوم بجولة حول العالم، اعتماداً على الطاقة الشمسية دون استهلاك قطرة وقود واحدة.

نماذج متعددة

كما شاركت مدينة «مصدر» في العديد من الفعاليات العالمية، مثل: «القمة العالمية لطاقة المستقبل»، و«القمة العالمية للمياه»، واجتماع «الجمعية العامة للوكالة الدولية للطاقة المتجددة»، و«معرض إيكوويست»، و«القمة العالمية للطاقة» التي ينظمها المجلس الأطلسي، فضلاً عن تنظيم مسابقة بعنوان «التكنولوجيا لمستقبل مستدام»، ومبادرات نشر التوعية البيئية بين الطلاب والشباب على مستوى العالم.

ومن المرجّح أن تنتشر نماذج متعددة للمدن الذكية في دول الخليج العربي، في ظل تزايد التركيز على دمج ممارسات الابتكار والإبداع والاستدامة البيئية والتكنولوجيا المتقدمة في تطوير المدن والمناطق الحضارية، لتصبح صديقة للبيئة وجاذبة للاستثمارات، بهدف تعزيز الرضا العام وسعادة المواطنين والمقيمين في المدن.

من جهته، قدم فادي سالم، وهو زميل باحث ومؤسس برنامج الحوكمة والابتكار في «كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية»، دراسة بحثية بعنوان «مدينة ذكية للقيمة العامة» في العوامل التي تُشكّل المدن الذكية ومكوناتها التنظيمية والثقافية والتقنية، وسُبل بناء مدن ذكية تعود بالنفع على المجتمعات، من خلال تحليل المرحلة الأولى من سعي مدينة دبي في الإمارات العربية المتحدة للتحول إلى مدينة ذكية.

وحللت الدراسة رؤية دبي للمدينة الذكية، وسعيها لتصير المدينة الأكثر ذكاءً في العالم، وواحدة من أسعد أماكن العيش والعمل في 2017، وخطتها لتنفيذ رؤيتها، والمسارات التي سلكتها، والدروس المستفادة من تجربتها، ومؤشرات نجاحها في تحقيق القيمة العامة للمجتمع وتحسين الأداء الحكومي، وتأثيرها في خطط التطوير الحضاري الإقليمية والعالمية، وما تحتاج إليه لمواصلة المرحلة التالية من التطور.

دبي الذكية

ولا تُعد رؤية المدينة الذكي التحول الأول لدبي خلال عقود قليلة، ففي عام 1970 كانت بلدة صغيرة على ساحل الخليج العربي يسكنها 80 ألف شخص، تحولت في العام التالي إلى إمارة ضمن الإمارات العربية المتحدة وخلال العقدين الماضيين، صارت دبي مركزاً اقتصادياً عالمياً ومثالاً على التحول الرقمي الناجح مع انتشار الإنترنت، ويصل حجم ناتجها المحلي الإجمالي إلى 92 مليار دولار، وهي واحدة من الاقتصادات الحضارية الأسرع نمواً في العالم.

مبادرات

تُركز الخطة الاستراتيجية لدبي الذكية على بعدين، هما: الاقتصاد الذكي والحياة الذكية، وتشمل عشرات المبادرات في مجالات، مثل البنية التحتية والتخطيط الحضاري والنقل والكهرباء والاتصالات والخدمات الاقتصادية.

ومع إيمان دبي بدور التكنولوجيا الرقمية في تنفيذ رؤيتها في إسعاد المجتمع، لا تُعتبر تجربتها تكنولوجية في المقام الأول، بل فلسفة أساسية للتنمية، ويفرض عليها الاهتمام بالرفاهية والسعادة العمل المستمر لمواكبة تغير احتياجات سكانها وتوقعاتهم لنوعية الحياة.

المدن مظهر من المظاهر الحضارية القديمة

تعتبر المدينة بيئة حضارية تضم عدداً كبيراً من الناس، وتعرف أيضاً بأنها نسيج مجتمعي من العمارة، والمصانع، والاقتصاد والمدارس والجامعات وغيرها من المؤسسات التي تدل على وجود بيئة إنسانية في منطقة ما وتعتبر صورة من صور التطور الحضاري وعنصراً مهماً من عناصر المجتمع البشري. تعتبر المدن مظهراً من المظاهر الحضارية القديمة.وتُشير الأبحاث التاريخية إلى أن الناس عرفوا المدن، وكيفية تأسيسها بالاعتماد على الدور المعماري في بناء العمارة السكنية وهندستها بأسلوب دقيق وتشير الدراسات إلى أنّ المكان الذي يسكن فيه أكثر من 20 ألف نسمة يصنف بأنه مدينة.

المصانع ترتقي بالقرى إلى مصاف المدن

وتعد المدينة الصغير ة هي التي تظهر حديثاً، بمعنى يتمّ تصنيفها على أنها مدينة بعد أن كانت قرية أو لواء يتبع لمدينة أخرى وتتميّز هذه المدن بظهور العديد من البنايات والمصانع المتطورة مع ازدياد ملحوظٍ في عدد السكان كما أنها تهتمّ بزيادة عدد المدارس بكافة أنواعها، من أجل استقطاب الطلاب للحصول على التعليم المناسب لهم وهي المدينة التي تتكون من مجموعة من المصانع والمؤسسات الإنتاجية وكافة سكانها تقريباً من الأفراد الذين يعملون في هذه المصانع فتوفر المدن الصناعية مساكن مجهزة للعاملين في مصانعها حتى يتمكنوا من السكن فيها مع عائلاتهم.

المدينة الكبيرة لوحة تجسّد تعاقب الحضارات الإنسانية

تعتمد المدينة الكبيرة على تاريخ حضاري قديم، أي إنّها وجدت منذ العصور البشرية القديمة، وما زالت قائمةً حتى هذا الوقت، واستمرّت في التطور مع ازدياد النهوض البشري العمرانية فيها، وتعاقب الحضارات الإنسانية عليها، ومن الأمثلة على المدن الحضارية الكبيرة: مدينة دمشق، ومدينة بغداد. هناك أسماء متنوعة بحسب حجم المدينة فهناك ما يعرف بـ المتروبوليتان وهي التي توسعت في عدة اتجاهات، اما الميجا سيتي فهي التي يقطن بها على الأقل 10 مليون نسمة وتبلغ كثافتها السكانية 2000 فرد/‏‏كيلو متر مربع بينما الـ برايم سيتي : فهي التي تكون مركزا لمدن صغيرة محيطة بها.

نماذج واقعية ثلاثية الابعاد لتوثيق بيئة دبي الحضرية

استخدمت دبي الذكية تكنولوجيا نظام المعلومات الجغرافية في منصة المدينة الذكية نبض دبي، وذلك لبناء ومحاكاة نماذج واقعية ثلاثية الابعاد للبيئة الحضرية في دبي، حيث أن دمج نبض دبي مع نظم المعلومات الجغرافية ساعد المدينة على اتخاذ قرارات حضرية أكثر اطلاعاً كمدينة ذكية مثل تخطيط الفعاليات، مواقع الأعمال الجديدة وتخطيط المناطق الذكية الجديدة وتعزيز وتوسيع المرافق الحضرية القائمة، وتعزيز التنقل والتخطيط للمياه والطاقة، وتخصيص الأراضي إلخ .

التكنولوجيات الرقمية ترتقي بكفاءة في التخطيط الحضري

يساهم استخدام التكنولوجيات الرقمية في تحسين الكفاءة في التخطيط الحضري كما أنه يعزز أيضاً المشاركة والابتكار، وهو يتيح التكامل والمشاركة من مختلف أصحاب المصلحة المشاركين فيه وتبادل البيانات والمعلومات. كما تتيح التكنولوجيات الرقمية التعاون بين مختلف أصحاب المصلحة من خلال منصة واحدة وتقييم ومحاكاة التأثير المباشر وغير المباشر لقراراتهم على البيئات الحضرية الأمر الذي ينعكس بشكل ايجابي على جودة الحياة ويعزز الرفاهية في مدن المستقبل .

Email