الطباعة ثلاثية الأبعاد ترسم ملامح دبي واقتصادها

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما كان بالأمس إبداعاً جديداً، أصبح اليوم من الماضي، والبقاء في المقدمة والحفاظ على التنافسية يقتضي مواكبة كل ما هو جديد في مجالات العلوم والابتكار. هذا هو منطق الدول والمؤسسات الناجحة عبر التاريخ، وهذه هي منهجية الإمارات واستراتيجية قيادتها السباقة إلى تبني كل ما ينتجه العقل البشري من إبداعات وتسخيره لخدمة مواطنيها وسكانها ومسيرتها التنموية.

وعندما أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، استراتيجية دبي للطباعة ثلاثية الأبعاد، كان الهدف من تبني هذه التقنية، تحقيق جملة من الإنجازات، في مقدمتها الحفاظ على تفوق دبي، ومنحها قصب السبق في قطاع يتوقع له أن ينمو بمعدلات سريعة ليصل إلى 30 مليار دولار في عام 2022.

وإلى جانب هذه الأهداف العامة، هناك مجموعة من الأهداف الخاصة ذات الصلة بالتنمية والاستدامة، وتعزيز التنافسية والجاذبية في القطاع العقاري الذي يعتبر من أهم القطاعات غير النفطية في دعم معدلات نمو الإمارة، نظراً لما لعبه هذا القطاع من دور محوري في اقتصاد دبي على امتداد العقود الماضية. ومن المتوقع، بحسب البيانات التي رافقت إطلاق المبادرة، أن تبلغ قيمة قطاع التشييد والبناء المطبوع بتكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد في دبي حوالي 3 مليارات درهم بحلول عام 2025.

ويشهد توظيف الطباعة ثلاثية الأبعاد في مجال الإنشاءات تطورات متسارعة تؤسس لمرحلة جديدة في قطاع العقارات وغيرها من القطاعات الأساسية. فمن المتوقع أن تساهم هذه التقنية في المستقبل القريب في حل العديد من العوائق في مجال الإنشاءات والعقارات، إذ يشير الخبراء إلى أن أهم ما يميز هذه التقنية يكمن في قدرتها على التقليل من كلفة البناء التقليدية بنسبة تتراوح بين 50% و70%، وكلفة العمالة بنسبة تتراوح بين 50% و80%. كما ستساهم التقنية وما تقدمه من حلول مبتكرة في تقليل نسبة النفايات الناجمة عن عمليات الإنشاء إلى 60%، والذي من شأنه أن ينعكس بشكل إيجابي على المردود الاقتصادي للقطاع، ويساهم في تحقيق استدامة البيئة والموارد. ولمواكبة هذا التطور التقني، بدأ العديد من الصناعات وخبراء التصنيع باستحداث استخدامات طباعة ثلاثية الأبعاد باعتبارها تطوراً مرتقباً في مجال التصنيع.

وشهدت القمة العالمية للصناعة والتصنيع التي انعقدت مؤخراً في أبوظبي استعراض تجربة عملية لإنشاء عناصر خرسانية باستخدام طابعة ثلاثية الأبعاد وهو ما يؤشر إلى قرب توظيف التطبيقات العملية للطباعة ثلاثية الأبعاد في العمليات الإنشائية. كما أن الجهود القائمة في دمج هذه التقنية مع التطورات المتسارعة في مجال إنترنت الأشياء سوف يعزز من الكفاءة الإنتاجية لهذه التقنية، ويسمح بتوظيفها على نطاق إنتاجي واسع سيغير شكل قطاع الإنشاءات الذي نعرفه.

وسيحقق تبني تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد في القطاع العقاري التكامل مع الاستراتيجيات الأخرى التي تبنتها الإمارة، ويمكن تحديد شكل وأهمية هذا التكامل من خلال النقاط التالية:

■ ستخدم هذه التقنية استراتيجية الإمارة في بناء اقتصاد ما بعد النفط، لأن القيمة التي سيكتسبها القطاع العقاري توازي استحداث قطاع جديد، فبالرغم من كونه قطاعاً قائماً، إلا أن هذه التقنية ستغير مفاهيمه الأساسية، وخصوصاً مفهوم الإنتاجية من حيث الزمن والتكلفة الأقل، ومفهوم الاستدامة.

■ ستثري وتساهم في تنويع مصادر الدخل الوطني، إذ لا يمكن لقطاع العقارات أن ينجح بمفرده في تبني هذه التقنية، فهذا النجاح يحتاج إلى تطوير القطاعات الأخرى التي تواكب هذه الصناعة بحيث تكون على مستوى تطورها التقني، مثل قطاع النقل، الرقابة على التشييد، إدارة العقارات، وغيرها من القطاعات التي تنتج مواد البناء وأدواته ومعداته.

■ ستخدم هذه المبادرة استراتيجية المدينة الذكية، ليس من حيث الشكل والتصميم فحسب، بل وأيضاً من حيث الفعالية العالية لاستخدامات المباني وانسجامها مع محيطها، وكل احتياجات الطاقة المستخدمة في تشغيلها، فالمباني الذكية تعتبر حجر أساس المدن الذكية.

■ ستساهم الاستراتيجية أيضاً في التحول نحو مجتمع المعرفة، لأن الاستخدام الواسع لهذه التقنية وعلى المدى الطويل، سيفرض بالضرورة بناء مختبرات ومراكز البحث العلمي، وتأهيل كوادر بشرية قادرة على إدارة هذا القطاع وتطويره.

■ ستعزز التقنية تنافسية الإمارة في عدة مجالات، سيصبح البناء والتشييد أقل تكلفة وأعلى جودة، مما سيمكن المطورين من السيطرة على الأسعار ومنع تضخم فقاعات هذا القطاع. وهذه العوامل مجتمعة هي أهم المغريات التي قد تجذب المستثمرين من كافة الأسواق.

وتبقى أهمية البناء والعمارة، بأنها كانت الدلالة التاريخية على حضارات الأمم، فعندما نبحث في تاريخ الحضارات السابقة، إنما نفتش عما تركته من آثار مادية، لأن هذه الآثار تدلنا على ثقافة الأمم ومستويات رقيها وتقدمها ومدى امتلاكها لمعرفة عصرها.

لذا فإن الاهتمام الذي بدأ منذ نشأة الإمارة بالقطاع العقاري، يشمل كافة المعطيات التي ذكرناها ويتجاوزها لحقيقة أن البناء سمة الأمم المتقدمة... هذه الأمم التي وثقت بذاتها وقدراتها وطورت معارفها وأدواتها فأنتجت وأبدعت، وأيقنت أن من يريد أن يمضي نحو المستقبل بخطى ثابتة عليه أن يترك آثاره عميقةً في التاريخ، لتتحدث عنه وتروي تفاصيل مسيرته الخاصة.

الرئيس التنفيذي لمدينة دبي لتجارة الجملة

Email