متطلبات نجاح المبادرة الوطنية لصياغة اقتصاد التنمية المستدامة (المسار 6: التكنولوجيا الخضراء)

إنتاج الطاقة من النفايات وتقنيات لالتقاط الكربون وتخزينه

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

استقبلت الإمارات والعالم والمنظمات والمؤسسات العلمية الدولية بالترحاب إعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، إطلاق المبادرة الوطنية طويلة المدى لبناء اقتصاد أخضر في دولة الإمارات، تحت شعار "اقتصاد أخضر لتنمية مستدامة" والتي تهدف لأن تصبح الدولة أحد الرواد العالميين في هذا المجال.

وتضمنت المبادرة الوطنية 6 مسارات هي (الطاقة الخضراء والسياسات الحكومية لتشجيع الاستثمارات في التقنيات الصديقة للبيئة، والمدينة الخضراء، والتعامل مع آثار التغير المناخي، والحياة الخضراء والتكنولوجيا الخضراء) لبلوغ ذلك الهدف السامي الذي لن يكون بعيد المنال بتضافر الجهود المخلصة، وتفرض تلك المسارات متطلبات واستحقاقات ينبغي التعامل معها بجدية وهذه قراءة تحليلية في تلك المتطلبات مساهمة في الجهد الوطني ودعماً لكل الجهود المبذولة لتحقيقها.

ولاحقاً نناقش متطلبات المسار السادس في مبادرة الاقتصاد الأخضر التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، أما المسار السادس والأخير في مبادرة الاقتصاد الأخضر فيشمل التكنولوجيا والتقنية الخضراء، حيث سيركز هذا المسار في مرحلته الأولى على تقنيات التقاط وتخزين الكربون بالإضافة لتقنيات تحويل النفايات إلى طاقة ما يسهم في التخلص من النفايات بطريقة اقتصادية تسهم في تلبية بعض احتياجات الطاقة، كما سيركز هذا المسار أيضاً على تقنيات تعزيز الكفاءة وهي التقنيات التي تقلل من استخدامات الطاقة اليومية واستهلاكها بالنسبة للشركات أو الأفراد من دون التأثير في الإنتاج النهائي.

 

الطاقة من الشمس والنفايات

كانت الشمس خياراً قديماً لجأ إليه الإنسان في التدفئة، وتجفيف المحصولات الزراعية، وحتى في الحروب عندما أحرق الفيزيائي اليوناني أرخميدس، الأسطول الحربي الرماني عام 212 قبل الميلاد عبر تركيز الإشعاع الشمسي على السفن بواسطة دروع معدنية. لكن دوافع ذلك الفيزيائي تختلف عن دوافعنا اليوم من حيث الهدف والمضمون والأسلوب، فلقد أخذت أبوظبي على عاتقها التزاماً برفع حصة الطاقة المولدة من مصادر متجددة إلى 7% بحلول عام 2020.

فيما باشرت دبي مشروعاً للطاقة الشمسية لتوليد 5% من الطاقة في دبي بحلول 2030. كما أعلنت بلدية دبي عزمها تطبيق مشروع تقنية السخانات الشمسية لتوفير المياه الساخنة في الفلل السكنية، ومساكن العمال، والشقق الفندقية، والمباني التعليمية، والذي يتوقع أن يوفر 95 مليون درهم سنوياً في حال تطبيقه على نصف بنايات الإمارة، وتتناغم تلك المشروعات مع المسارات السابقة من المبادرة فيما يركز المسار السادس على التقاط الكربون وتوليد الطاقة من النفايات.

وسنأتي على توضيح ذلك. وتوجد في بعض مدن العالم المتطورة عدة معامل تدوير للمخلفات الصلبة لاستخراج الوقود من النفايات (Refuse-Derived Fuel,RDF) وذلك بطريقة الفصل الميكانيكي للمواد غير القابلة للحرق مثل المعادن والزجاج ، ثم توجيه المواد العضوية المتبقية إلى منظومات إنتاج الوقود.

إن عملية استخراج الوقود من النفايات هي أكثر سهولة من عمليات الفصل الميكانيكي المعقدة ، وفيها أيضاً يتم استخدام الرماد (Ash) كمادة تحرق مع الفحم لأغراض توليد الطاقة. ولقد أدّت القوانين والأنظمة الصارمة التي وضعتها بعض الدول الأوروبية بخصوص حرق النفايات إلى التقليل من استخدام هذه الطريقة.

 

تطوير غاز المطامر

يستخدم الغاز المتولد من المطامر الصحية للحرق في الأفران والمراجل لإنتاج بخار لغرض توليد الطاقة الكهربائية أو إنتاج ماء ساخن لأغراض التدفئة . ويوجد في مختلف أنحاء العالم حوالي 240 موقعاً وصلت سعتها إلى 440 في عام 1992 .

وأحد المشاريع الكبيرة في العالم يوّلد 46 MW . وإن كل طن من النفايات ينتج نظرياً في العام ما بين 300 و1500 متر مكعب من الغاز ذي محتوى طاقوي يعادل 5 GJ أو 6 GJ وذلك في موقع عمره عشر سنوات أو أكثر .

وبسبب صعوبات استخلاص الغاز وإدارة الظروف تحت الأرض فإن كفاءة الإنتاج تتراوح بين 25% و 50% . إن كلفة توليد الطاقة من غاز الطمر الصحي مشجعة جداً ، إذ إن إنتاج الطاقة من هذه المنظومات يتراوح بين 4 و6 سنتات أميركية للكيلووات - ساعة . وفي حالة إنتاج 150 متراً مكعباً من الغاز لكل طن من النفايات الصلبة فإنه يمكن توليد طاقة كهربائية مقدارها 5 TWh في السنة .

انبعاثات الكربون

إن التحكم في انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، أحد أكبر التحديات التي تواجه البشرية في القرن الحادي والعشرين. وتتسبب هذه الانبعاثات، مع غيرها من غازات الاحتباس الحراري، في تفاقم ظاهرة التغيرات المناخية، التي تعد مشكلة حقيقية عالمية، تسببت في العديد من الكوارث والأخطار الطبيعية مثل الفيضانات والجفاف وموجات الحر والأعاصير، وما تشكله من تداعيات وآثار مدمرة على المجتمعات والدول.

أصبحت هناك ضرورة عاجلة، ضمن الجهود المبذولة للحد من التأثيرات المتزايدة لظاهرة التغير المناخي والاحتباس الحراري ولضمان أنشطة ومشروعات تنموية نظيفة، للتوجه نحو التوسع في مشاريع تقنيات التقاط ثاني أكسيد الكربون وتخزينه في التكوينات الجيولوجية العميقة في باطن الأرض والتأكد من مدى مطابقتها للمعايير العالمية المستخدمة في هذا المجال، حرصاً على سلامة وصحة كوكب الأرض الآخذة في التدهور وكذلك صحة وسلامة سكانه.

 

فتح علمي

وفي 4 يناير الماضي، أعلنت الجمعية الكيميائية الأميركية، عن تمكن العلماء من اكتشاف طريقة محسنة لإزالة غاز ثاني أكسيد الكربون- غاز الدفيئة الرئيسي الذي يسهم في ظاهرة الاحتباس الحراري- من المداخن والمصادر الأخرى والغلاف الجوي، وذلك بنسبة أعلى من أي وقت مضى، وقد نشرت نتائج هذه الدراسة، مؤخرا في مجلة الجمعية الكيميائية الأميركية.

وقد تمكن فريق بحثي من علماء جامعة جنوب كاليفورنيا الأميركية، من إزالة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بكفاءة وسهولة من المداخن والغلاف الجوي مباشرة ومن مصادر أخرى، باستخدام مواد صلبة جديدة تستند أساسا إلى مادة بوليمرية تسمى (PEI) (polyethylenimine) وهي مادة بوليمرية متوفرة ورخيصة، حيث إنها متاحة للبيع تجاريا بتكلفة منخفضة (البوليمر سلسلة طويلة من الجزيئات أو الوحدات المتكررة، ذات خواص فريدة).

أشار الباحثون إلى أن مادة التقاط ثاني أكسيد الكربون البوليمرية، سهلة الإعداد، وتنطلق بسهولة لمحاصرة ثاني أكسيد الكربون وامتصاصه من الغلاف الجوي وحتى عند وجوده بتركيزات منخفضة جدا، وفي عوامل إعاقة مثل الرطوبة، كما أن هذه المواد البوليمرية الجديدة يمكن إعادة تدويرها وإعادة استخدامها مرات عديدة، دون أن تفقد فعاليتها،

كما أن هذه المواد يمكن استخدامها في الصناعة والغواصات والمداخن وأنظمة تنقية الهواء وأجواء الغلاف الجوي المفتوح، لتنظيف التلوث بثاني أكسيد الكربون الناتج من مصادر صغيرة مثل السيارات وأجهزة التدفئة بالمنازل، التي تمثل نحو نصف إجمالي انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون المتصلة بالنشاط البشري.

وفقا لتقرير صادر عام 2010، بعنوان «وضع المشاريع المؤقتة لالتقاط وتخزين الكربون» (The Status of CCS Projects Interim Report)، عن المعهد العالمي لالتقاط الكربون وتخزينه باستراليا، والذي جاء فيه أن هناك 80 مشروعا ضخما ومتكاملا لالتقاط وتخزين الكربون حول العالم.

والمعهد العالمي لالتقاط الكربون وتخزينه، وموقعه الإلكتروني (www.globalccsinstitute.com)، مقره في العاصمة الاسترالية كانبيرا، وتم تأسيسه رسميا في أبريل من العام 2009، ويعمل المعهد بالتعاون مع العديد من الدول والهيئات والمنظمات لبناء وتبادل الخبرات اللازمة لضمان التقاط الكربون وتخزينه، والتي يمكن أن يكون لها تأثير كبير على خفض انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري العالمية.

ومن بين الثمانية مشاريع الكبيرة المتكاملة في مرحلة التشغيل لاحتجاز الكربون وتخزينه (CCS) حول العالم، التي أشار إليها المعهد العالمي لالتقاط وتخزين الكربون: مشروع عين صالح بالجزائر (In Salah Co2)، وموقعه الإلكتروني (www.insalahco.2com)، ويعمل منذ عام 2004، ويتم دعمه من وزارة الطاقة الأميركية والاتحاد الأوروبي، وقد تم احتجاز وتخزين أكثر من 3 ملايين طن من غاز ثاني أكسيد الكربون خلال إنتاج الغاز الطبيعي، وتم تخزينها بصورة آمنة في التكوينات الجيولوجية على عمق 1800 متر.

ومشروع سنوفيت (Snohvit Co2) بالنرويج، وفيه يتم سنويا فصل وتخزين نحو 7 ملايين طن من ثاني أكسيد الكربون من الغاز الطبيعي المنتج، ويتم تخزينه على عمق يصل إلى 2600 متر في تشكيل من الحجر الرملي تحت قاع البحر.

 

رئيس شركة دايموند ديفلوبرز مطور مشروع المدينة المستدامة قيد التأسيس

 

 

 

 

 

 

فصل وتجفيف وضغط وتسييل غازات الكربون

 

إن دعم تقنية التقاط الكربون وتخزينه كأداة فعالة ضمن أنشطة مشاريع آلية التنمية النظيفة يتطلب معايير أساسية مثل اختيار الموقع، والمتابعة، ونطاق المشروع، والمشاريع المشتركة بين الدول، وتقييم عوامل المخاطر والسلامة، وتقييم الآثار البيئية والاجتماعية، وجوانب الاستدامة.

مع العلم ان العالم كان قد اجمع على دعم مشاريع حماية الغابات وإعادة التشجير (التي تعتبر بالوعة كربون) كأفضلية على هذه التقنية، في نطاق سعي العالم للتخفيف من الانبعاثات المتسببة بتغير المناخ، كون هذه الإجراءات اضمن وافعل ومخاطرها اقل.

وتعود فكرة التقاط واحتجاز غاز ثاني أكسيد الكربون، إلى عالم الفسيولوجيا (علم وظائف الأعضاء في الكائنات الحية) الهولندي يان إينجنهاوسز (1730-1799)، الذي وضع مبادئ عملية التمثيل الضوئي (photosynthesis) التي فيها يأخذ النبات ثاني أكسيد الكربون من الجو ويعطي غاز الأكسجين.

وفي عام 1999 نشر البروفسور كلاوس لاكنر أستاذ الجيوفيزياء (علم فيزياء الأرض) ومدير مركز لينفست (Lenfest) للطاقة المستدامة بمعهد الأرض بجامعة كولومبيا الأميركية، مع فريقه البحثي مقالاً بعنوان (استخلاص ثاني أكسيد الكربون من الجو) ثم نشر في مجلة ساينس العلمية الأميركية الشهيرة بعدد 13 يونيو مقالاً بعنوان التغير المناخي: دليل لعزل ثاني أكسيد الكربون).

ومنذ ذلك الوقت، تم اقتراح العديد من التقنيات لالتقاط ثاني أكسيد الكربون، منها استخدام الأملاح المنصهرة وأنواع معينة من البكتيريا، ولكن العديد من هذه التقنيات لم تكن فعالة بصورة كافية لإزالة أجزاء صغيرة من تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.

وتقنية التقاط وتخزين الكربون، تتمثل في التقاط غاز ثاني أكسيد الكربون المنبعث بكميات كبيرة أثناء احتراق الوقود الأحفوري من الأغراض الصناعية ومحطات توليد الطاقة، ونقله عبر شبكة أنابيب واحتجازه وتخزينه في باطن الأرض في تكوينات جيولوجية وصخرية عميقة مثل حقول النفط والغاز الطبيعي المستنفدة والأحواض الطبيعية والكهوف الصخرية.

وتتلخص كيفية احتجاز وتخزين الكربون، في فصل غاز ثاني أكسيد الكربون من مصادر الانبعاثات المختلفة وقبل خروجه من المداخن، ثم تجفيفه وضغطه وتحويله إلى سائل، ثم نقله عبر خطوط الأنابيب إلى محطات التخزين، التي تضخها إلى خزانات في باطن الأرض في تكوينات جيولوجية وصخرية، وفي النهاية تختم مواقع التخزين وتراقب من قبل الخبراء والفنيين للتأكد من عدم وجود أي آثار جانبية على الصحة والسلامة العامة والبيئة.

 

مصدر وأدنوك تحققان تقدماً في مشروع التقاط الكربون وتخزينه واستخدامه

 

حققت مصدر لإدارة الكربون، إحدى الوحدات المتكاملة التابعة لـ"مصدر"، وشركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك)، تقدماً في المناقشات الفنية والتجارية بشأن وحدة التقاط واستخدام وتخزين الكربون المجاورة لمجمع شركة الإمارات لصناعات الحديد في المصفح، ما يفتح المجال للمضي قدماً بالمشروع والبدء بعملية استدراج العروض، وبدأ الطرفان بوضع مسودة الشروط الأساسية لإدارة اتفاقية التسليم التفصيلية في المستقبل.

وتعد وحدة التقاط الكربون جزءاً من التعاون بين مصدر وأدنوك من أجل استكشاف المشاريع المشتركة التي تهدف للحد من انبعاثات الكربون في الإمارة واستخدام غاز ثاني أكسيد الكربون في عمليات الاستخلاص المعزز للنفط المحتملة في المستقبل.

ويعد مشروع الإمارات للحديد، وهو الأول في برنامج طموح بعيد المدى لالتقاط واستخدام وتخزين الكربون، ثمرة جهود مكثفة من كلتا الشركتين من أجل إعداد أرضية لانطلاق المشروع والدفع قدماً بمبادرة التقاط الكربون في أبوظبي.

وقد أنهى المشروع التجريبي لحقن غاز ثاني أكسيد الكربون لأغراض الاستخلاص المعزز للنفط في أحد الحقول البرية عامه الثاني في نوفمبر 2011، وساهمت المعلومات القيّمة التي تم جمعها خلال تلك المدة إلى تسهيل عمل الشريكين للمضي قدماً في مشروع شركة الإمارات للحديد.

Email