بنوك للفقراء

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد قراءتي كتاب "بنك الفقراء" للبروفيسور محمد يونس، وجدت فيه منظوراً جديداً بعيداً كل البعد عن تقليدية الإحسان والصدقات التي تعوّل عليها معظم الطبقات المعدومة في المجتمع العالمي وخصوصاً الدول المتنامية.

بنوك الفقراء تنطلق من رؤيةٍ صالحة هدفها الرئيسي تمويل المشروعات المنزلية والصغيرة عن طريق تقديم القروض متناهية الصغر دون أي اشتراطات أو ضمانات مالية قوية لذوي الضيقة المالية القاسية.

والذين ترفض المصارف الكبرى التعامل معهم. ومن شأن هكذا مشاريع اقتصادية أن تسهم في مكافحة الفقر والحد من مظاهر العوز والتشرّد، بما يدفع عجلة التنمية.

وتتّضح هذه الفكرة بشكل جلي في "بنك جرامين" (أي "بنك القرية") الذي تأسّس على يد البروفيسور يونس في بنغلادش وساعد إلى الآن أكثر من سبعة ملايين شخص عبر 11 مليون قرض، تم تسديد 99 بالمائة منها.

ويعمل هذا البنك على إقراض المال للمعوزين في خطوة إلى ترجمة أفكارهم وطموحاتهم المكبوتة عبر تفعيل حركة الاستثمارات الصغيرة المدرّة للدخل، شريطة أن يقدّم المستفيدون الطلب ضمن مجموعة لا تقل عن خمسة أفراد، على أن يتم سداد القرض على أساس يومي أو شهري أو سنوي، بما يعزّز روح الألفة والتكافل الجماعي بين أوساط هذه الطبقة الممكن وصفها بالمسحوقة.

ولعل أهم تركات البنك برزت في أواخر القرن العشرين عند تطويره برنامجا خاصا لتوزيع القروض السهلة على المتضرّرين من الفيضان الذي أغرق دولة بنغلادش تحت الماء لأكثر من 10 أسابيع، وأسهم في إعادة إنعاش المشاريع الجديدة على امتداد مختلف القطاعات الداعمة للتنمية المحلية.

وإذا ما نظرنا على الصعيد العربي، نجد أن هناك تجربة خجولة في المنطقة لهذا النوع من التمويل متناهي الصغر، حيث يوجد أربعة بنوك تشبه "بنك جرامين" في كل من الأردن ومصر والبحرين واليمن.

كما هناك شركة "جرامين جميل" وهي من أوائل المؤسسات تقدّم الدعم التمويلي للمشاريع الصغيرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي تمتلك اليوم قاعدة عملاء كبيرة تضم ما يزيد على نصف مليون عميل عبر مختلف أنحاء الدول العربية وتركيا.

ومع ذلك، نلحظ أن مثل هذه المبادرات لم تنل نصيبها من الاهتمام في الأسواق العربية حتى الآن. وفي هذا السياق يقول الدكتور يونس: الفقر ليس مخجلاً..

. ولكنّ الصمت دون فعل أي شيء لتغييره هو المخجل". فلا بد من بدء العمل على زيادة الوعي العام حول الفقر في مجتمعنا العربي وعدم النظر إليه على أنّه عاهة اجتماعية لا يمكن حلها.

Email