أقراني

ت + ت - الحجم الطبيعي

طوبى للشبكة العنكبوتية التي حملت أخبارهم إلينا، وطوبى للفيسبوك لأنه وضعهم على خارطة الأمكنة التي تناثروا فيها، ولولا ظروف الحرب لما سمعنا بقرى وبلدات في صقيع العالم بنى فيها شعراء حلب أحزانهم على شجر غربتهم وركنوا يائسين إلى وحدتهم ومنافيهم، قرى في السويد أو في آيسلندا لا مكان لها على خريطة، لكنها عادت إلى الجغرافيا لأن شاعراً ما ذكرها في قصيدة.

إنهم شعراء حلب، حلب الثمانينيات، جُلاس مقهى القصر، سهارى العمالي، عشاق المقصف المركزي، حاملو كتب سليم بركات، مدخنو التبغ الوطني، متيمو جميلات الآداب، صرعى كتب بوشكين وتشيخوف الذين يقفون في صف طويل أمام نظرية العدالة الاجتماعية ويمضون صيفاً أطول لتهجئة أسماء أبطال روايات ماركيز. خطوات طائشة بين السياحي ومنتدى الشام.

قذفت بهم الحرب نحو عالم ذابت فيه لغة الكلام، وكأنهم لم يكتبوا حرفاً ذات يوم، أو لم يسمعوا أغنية لمارسيل أو صباحاً لفيروز، كأن أحلامهم جنحت نحو يأس مقيم ما أقامت (ميسلون)، لولا لمحات على الإنترنت من هنا وهناك كيف لنا أن نعرف من كان هنا ومن أصبح هناك ومن لم يعد له مكان بين الأحياء، لقد ضاقت الحرية على أحلامهم وأجهزت الديمقراطية الوطنية على أنفاسهم.

ما فعلته الحرب بسوريا يقف على هضبة وما حدث في حلب يقف على هضاب، حيث لم يعد من مكان يمكن تذكره، فقد دُمرت أماكن الشعر وصفواته، دُمرت المقاهي والمقاصف والمنتديات، وانتهت إلى غير رجعة حكايات العشق وشرفات المناديل وتلويحة الأبواب، حتى لكأن المرء ينسى من كان صديقاً يجالسه في المقهى.. لولا الفيسبوك.

طوبى له.

Email