مكتبات.. مكتبات

ت + ت - الحجم الطبيعي

في العام 2001، وعندما كنا نسير في منطقة جسر فكتوريا متجهين نحو فندق الشام، لفت الأستاذ والصديق علي عبيد نظري إلى مسألة لطالما كنت أعتبرها عادية، قال: «انظر، بين المكتبة والمكتبة توجد مكتبة»، وذلك في لفتة إعجاب منه بقيمة الكتاب الذي تنتشر عشرات المحال وسط العاصمة دمشق تبيعه فقط، ولها جمهورها الكبير الذي لا يوفر جهداً أو مالاً لتعزيز قيمة خير جليس.

كنا يومها ضيفين في مهرجان المدى الثقافي، عندما كانت لمعة دمشق ثقافياً تخطف بصر الزائرين، وخاصة ملامحها الثقافية التي تفضحها مكتبات كثيرة منتشرة بين أحيائها بطريقة تدفع الزائر إلى تسجيل الإعجاب، فلطالما كانت دمشق رئة ثقافية؛ يمر منها هواء المعرفة، ويتنسمه الزوار في كل مكان، حيث أمسيات المسرح وندوات الفكر ومعارض الرسم ومقاهي الثقافة.

يومها كان النشر ضنيناً في مساحة جغرافية لا تغادر بيروت أو القاهرة؛ العاصمتين التقليديتين للطباعة والنشر، كان دخول دمشق على هذا الخط دخولاً مُفرحاً، فتوسعت الدائرة، وزادت العناوين، وكثُر القراء، ولم يعد الكتاب يشكل عبئاً مادياً يثقل على القارئ، فقد زادت المنافسة، وقل الاحتكار، تلك الأيام كانت سوريا تستقبل الملايين من محيطها الجغرافي، كثير من تلك الملايين وجد في الكتاب رفيقاً في غربته.

حكاية دمشق مع الكتاب تثير الشجن، وتذهب نحو عيش الثقافة بقيمتها الاجتماعية خارج حدود المؤسسات الرسمية، فالتاريخ يضيء ذاتياً، والشوارع لها حكاية، ويكاد كل مثقف عربي له في دمشق ذكرى تعيده إلى سعة صدرها، عندما كان المكان حاضنة روحية تنمي الصداقة وتشجع على الإبداع، تلك الحاضنة ذبلت خلال الحرب، وأخشى أن الأصدقاء انفضوا عنها، وأخشى أكثر أن تذهب دمشق إلى نفق مظلم يقل فيه الهواء والضوء.

Email