روائع أدبية تعرضت للمحاكمة والعقاب

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يقول الكاتب والناقد الاسكتلندي الأميركي غيلبر هايت، ليست الكتب أكواماً من الورق الميت، إنها عقول تعيش على الرفوف.. وعندما تتناول واحداً وتفتحه تسمع صوت إنسان يكلمك من مكان بعيد وزمان بعيد، تجد عقلاً يخاطب عقلك وقلباً ينادي قلبك. لكن هذه العقول، كما يقول الفيلسوف الفرنسي رولان بارت، ليست نبيلة وبريئة .

ويمكن، طبقا للروائي والمسرحي الانجليزي هنري فيلدينغ، أن تفسدنا كما يفسدنا رفيق السوء. ورغم دفاع الروائي الروسي فلاديمير نابوكوف « ليس القراء ماشية يغريهــا كل مرعى»، يتـــفق النقاد على أن بعض الكتب مضـــلل للأغرار والراشدين الذين تقبل نفوسهم التضليل. ومن هنا يحق للرقابة والقضاء منع نشرها.

طبعا ليست هذه الكتب هدفنا، إن هدفنا الروائع التي تحدت بعض المفاهيم، فحوكمت وعوقبت. ونبدأ بمعرض «الكتب التي شكّلت أميركا»، الذي تعرض فيه مكتبة الكونغرس الكتب التي مّنع نشرها، في«مهرجان الكتاب» في اكتوبر كل عام، ونختار من تسعين كتاباً:

كوخ العم توم 1852- هاريت بيشر ستوو

رواية عاطفية تكشف النقاب عن ممارسات نظام امتلاك العبيد في جنوب أميركا، وتدعو الى المحبة بين البيض والسود لأجل الإصلاح والنهوض بالمجتمع والوطن. انهالت الطلبات عليها بعد نشرها وبيع منها 300 ألف نسخة ثم بدأ الطلب يخف حتى اختفت من الأسواق. إذ أثارت الزوابع والأعاصير في إحدى عشرة ولاية في الجنوب لأنها تصور بتعاطف وايجابية، المعاناة المرة للزنوج في ذلك النظام، وتصور البيض بسلبية مسيئة.

وتفاوتت ردود الأفعال الحانقة والشاجبة: طرد الجنوبيون الموزعين والبائعين لهذه الرواية من المدن التي يعملون فيها، ووصلت رسائل التهديد بالقتل الى ستوو- حملت إحدى الرسائل أذن زنجي مقطوعة، ثم ظهر «الأدب المضاد لكوخ العم توم» (16 رواية و6 كتب وعشرات المقالات) التي تنتقد الرواية ومؤلفتها..

وتبين أن مالكي الزنوج كرماء ولطفاء مع عبيدهم الذين يعيشون بحرية ورخاء، لكنهم مثل الأطفال لا يستطيعون أن يديروا أمورهم من دون إشراف البيض وإدارتهم.

مٌنعت هذه الرواية من النشر عقدا من الزمن واستمر المنع في الجنوب حتى بعد انتهاء الحرب الأهلية وإلغاء ملكية الرقيق.

ومُنعت من النشر أيضا في روسيا القيصرية وايطاليا وبعض الدول الكاثولوكية، بعد وصف الفاتيكان لها بأنها تنفث السموم اللوثرية (الكنيسة البروتستانتية). وأثناء ذلك جرى نشرها في أميركا وخارجها بالقرصنة أو التهريب (مليون نسخة بالقرصنة في بريطانيا وحدها)، أي من غير استشارة أو موافقة مؤلفتها لأن لا ملكية فكرية لكتاب محظور نشره.

وهي، حاليا، من أكثر الكتب المقروءة شعبيا في أميركا. تُرجمت الى معظم لغات العالم واحتلت المرتبة الثانية في لائحة الكتب الأكثر مبيعا في العالم في القرن العشرين.

يصفها النقاد والباحثون بالكتاب الذي ساهم في صنع تاريخ أميركا. ويقولون إنها غيّرت آراء الأميركيين ومواقفهم حين فتحت عيونهم على ما يجري للزنوج. ويرى الكاتب والباحث ويل كوفمان، أنها صبت الزيت على النار بين المؤيدين والمطالبين بإلغاء الاسترقاق. كما أثنى عليها الرئيس ابراهام لنكولن، وقال بعد مقابلة مؤلفتها، هذه هي السيدة الصغيرة التي بدأت الحرب الكبيرة.

مغامرات هاكلبيري فن 1884 - مارك توين

«كل الأدب الأمـــيركي الحديث أتى من هاكـــلبيري فن» ارنســت همنـــــغواي.

صبي في فترة المراهقة، 14 سنة، لا أم له، يهرب من والده السكير الذي يهمله ويقــــسو عليه، ويخوض سلسلة من المغامرات مع صديقه الزنجي جيم على طول المســيسبي، ويصل خلالها إلى النضوج. أحـــب الأميركيون هذا الصبي الـــذي نقل لهـــم بعفوية صورا حية، مضـــحكة ومؤثرة، عن المجتمعات الأميركية بألوانها الزاهية والباهتة، وأحيانا لا لون لها. وقرأوا الرواية بشغف حتى غدت الكتاب الأول على المستوى الشعبي، علما أن مارك توين تعــــذب كثيرا حتى وجد ناشرا لها.

رفضها الناشرون في أميركا مرارا، واعتبروها من النفايات التي لا مكان لها غير صندوق القمامة. نُشرت المرة الأولى في بريطانيا عام 1884.. ثم كندا، وبعد سنة نُشرت في أميركا، لكن البريد الرسمي أدرجها في لائحة الممنوعات ورفضتها المكتبات والمدارس. وصفها أحد الإداريين في لجنة الرقابة بالمثال البشع الذي يؤيد التمييز العرقي ويؤجج الحقد العنصري!

واستند في تصريحه على الكلمات المهينة عنصريا، وتكرار كلمة «نيغرو» 242 مرة، وهي كلمة عامية تحمل الاحتقار والازدراء لكل إنسان أسود. كما استنكرت المؤسسات التعليمية استخدام توين اللغة الأميركية العامية في الأدب.

وفي التسعينيات من القرن الماضي وضعتها «المؤسسة الأميركية للكتب» في المرتبة الخامسة في لائحة الكتب الممنوع نشرها. ولم يهدأ المطالبون بحظرها حتى سنة2011، حين استبدلت دار «نيو ثاوث للنشر» كلمة «نيغرو» بكلمة «عبد».

ذهب مع الريح- 1936- مرغريت ميتشل

سكارلت أوهارا، ابنة مالك مزرعة ميسور في الجنوب، مغرمة بالرائد جون آشلي الذي لا تفهمه.. وأيضا لا تفهم المغرم بها الكابتن ريت بتلر ولا تفهم نفسها. في النهاية تفهم كل شيء، لكن بعد فوات الأوان. تجري أحداث هذه الرواية أثناء الحرب الأهلية الأميركية وفترة الإعمار بعدها.

نُشرت سنة 1936 وفازت بجائزة بولتيزر سنة 1937، وبعد ثلاث سنوات تحولت الى فيلم فاز بالأوسكار. ومع ذلك مُنعت لاحقا من النشر ورفضها البريد والمكتبات والمدارس لأنها: أولا، تستخدم الألفاظ العرقية المهينة مثل «نيغر» وأختها «داركيس». ثانيا، غضت مؤلفتها الطرف عن معاناة الزنوج وعززت القيم الأخلاقية لمزارع العبيد. ثالثا، وضعت الأميركيين الايرلنديين والأميركيين الافريقيين في كفة واحدة دون مستوى البيض.

لمن تقرع الأجراس؟-1940- ارنست همنغواي

متطوع أميركي يشارك في الحرب الأهلية الاسبانية في الثلاثينيات من القرن الماضي، ويقاتل مع الجمهوريين ضد فرانكو الفاشي. يضحي بنفسه لإنقاذ رفاقه عندما ينسف جسرا لمنع تقدم قوات فرانكو.

بعد نشرها بوقت قصير، صرح مكتب البريد في أميركا بأنه غير مسموح إرسالها لأنها مؤيدة للشيوعية. منعتها لجان المراقبة على النشر والسينما والتلفزيون في: ايرلندا والمانيا وايطاليا واسبانيا. وفي تركيا سنة 1970، حوكم ثمانية من الناشرين لها، لأنها تشكل دعاية معارضة ومعادية للدولة.

نداء البراري 1903- جاك لندن

وصفت الرواية بالراديكالية المفرطة، لأنها قصة إنسان وكلب ومُنعت من النشر في أميركا ثم في ايطاليا والمانيا ويوغوسلافيا، في العقدين الثاني والثالث من القرن العشرين.

عربة اسمها الرغبة 1947- تينسي ويليام

مُنعت من النشر بسبب مضمونها الفاحش. إذ تحضر فيها الرغبات والأحاديث عن الجنس بشكل طاغٍ.

«قتل الطائر المحاكي».. تغريدات تناهض العنصرية والعنف

يرمز الطائر المغرد في (قتل الطائر المحاكي) -1960- لهاربير لي، إلى البراءة، ويتميز بقدرته على تقليد أصوات الطيور الأخرى. صبية في ربيع العمر، يدافع والدها المحامي عن زنجي متهم بالاغتصاب زوراً. فيتلبد ربيعها وتغيب شمسه وراء سحب سوداء من العنف واستباحة الطفولة وضياع العدالة. لاقت الرواية نجاحا كبيرا وفازت بجائزة بوليتزر.

اعتمدتها المدارس الثانوية لأنها تعالج النتائج المترتبة عن التحيّز والعقول الجامدة والعنف العنصري، وتدعو الى الصبر والتسامح والتحرر من رواسب الماضي. بيد أنها سرعان ما تعرضت الى حملات شرسة تطالب بسحبها من المدارس والمكتبات وتحظر تداولها بين البيض والسود لأنها، من جهة، تفسد الأخلاق وتنتهك حرمة المقدسات والقيم الاجتماعية السائدة. ومن جهة أخرى، تعزز تفوق الرجل الأبيض والتمييز العنصري تحت ستارة الأدب الجيد.

مُنع نشرها لكن لفترة قصيرة. والآن تتصدر كلاسيكيات الأدب الأميركي الحديث. دخلت سجل مكتبة الكونغرس للروائع، وكُرمت مؤلفتها بعد47 عاماً بــ«ميدالية الرئاسة الأميركية للحرية» التي قدمها لها الرئيس السابق جورج بوش سنة 2007. تحولت الى فيلم مؤثر أخرجه روبرت موليغان 1963.

«محبوبة» لم تعد هي المحبوبة لمضمونها العرقي

ترشحت رواية (محبوبة) - 1987، لطوني موريسون، الى جائزة الكتاب الوطني في أميركا، وفازت بجائزة بوليتزر للأدب 1988. دخلت منهاج اللغة الانجليزية في المدارس الثانوية لأنها تجسد الكرامة الإنسانية حين تتخذ القرار الصحيح، وهي تعرف أنها ستدفع الثمن الكبير. بعد ست سنوات سحبت من المدارس والمكتبات العامة ثم مُنع نشرها. لم تعد «محبوبة» رواية محبوبة..

والسبب هو لغتها والمضامين العرقية وغيرها. والآن تُعد وثيقة أدبية في التاريخ الأميركي. اختارتها صحيفة نيويورك تايم، واحداً من أفضل الأعمال الأدبية من1981- 2006. قرأتها الإعلامية الشهيرة اوبرا وينفري ولم يهدأ لها بال حتى حولتها بعد عشر سنوات، الى فيلم رائع أخرجه جوناثان ديم ومثلت فيه دور سيث 1998.

مالكولم أكس

يعرض كتاب (سيرة مالكولم أكس الذاتية) - 1965، لاليكس هالي، حياة مالكولم أكس، الناشط في مجال حقوق الإنسان، خلال محادثات ودية ومقابلات أجراها معه الصحافي اليكس هالي من سنة 1936 حتى اغتياله في 1965.

ويوجز فلسفة مالكولم التي تطالب بالكرامة الزنجية والمواطنية الزنجية وتدعو الى ترسيخ الثقافة الأفريقية الأميركية. فاز الكتاب باستحسان القراء والنقاد وذكرت «صحيفة نيويورك تايمز» بأنه هام ومؤلم ومنوّر، وذكرت مجلة «تايم» بأنه واحد من الكتب العشرة التي يجب أن يقرأها كل إنسان. وقال المؤرخ جون دور بأنه من روائع السير الذاتية الأميركية. لكن المعارضين له نجحوا في حظر نشره وتسويقه، لأنه برأيهم ضد السامية والرجل الأبيض.

Email